لماذا لا نستورد نخبة

لماذا لا نستورد نخبة؟

المغرب اليوم -

لماذا لا نستورد نخبة

معتز بالله عبد الفتاح

دعونا نواجه أنفسنا بالحقائق: لقد خذلنا شعبنا، ونحن الجناة فى حق بلدنا إن فشلنا، أملى ألا نفشل ولكننى متشكك فى أننا قادرون على النجاح مع غياب شروطه: مبادئ، مصالح، مشاعر، معلومات. النخبة قادرة على أن تدمر البلاد أو أن تنهض بها، ومن النماذج التقليدية التى تبرهن على دور النخبة سواء فى التدمير أو البناء، نموذج رواندا حيث حضت النخبة المتطرفة مواطنيها على القتل والذبح وصولاً إلى أن وصلت المجازر إلى رقم بين 800 ألف ومليون مواطن، أغلبيتهم الكاسحة من قبيلة «التوتسى» التى تمثل الأقلية. استمرت المجازر شهوراً، كان خلالها يذيع الراديو معلومات للمواطنين من قبيلة الهوتو (الأغلبية) عن الأماكن التى كان يختبئ فيها المواطنون من التوتسى. كان القتلى من كل الأعمار بلا تفرقة. وعادة ما يكون القتل مصحوباً باغتصاب وتعذيب وسرقة ونهب. بل إن بعض المعتدلين من الهوتو كانوا يُقتلون من قبَل متطرفى الهوتو، لأنهم كانوا يعارضون ما يفعله المتطرفون. ووفقاً لشهادة أحدهم: «كنا خونة من وجهة نظر بنى قبيلتنا لأننا كنا نحضهم على العيش المشترك والسلام الاجتماعى». المذابح توقفت، ولكن الآلام والذكريات التعيسة لم تتوقف عن إثارة الأحزان والآلام. للحظات سيظن بعضنا أن هذا مجتمع انهار وانتهى. ولكن هنا يأتى دور النخبة العاقلة لتعيد توجيه الطاقة من الهدم إلى البناء. ولو سمعت أو قرأت بعضاً من تفاصيل ما حدث ويحدث فى رواندا لقلت: «لو لم أكن مصرياً لوددت أن أكون رواندياً». المسألة احتاجت وثيقة للمصالحة الوطنية وتشكيل نظام قضائى للحقيقة والمصارحة (أحد مكونات العدالة الانتقالية) ورئيسين ودستوراً جديداً وخطة تنمية متوازنة وشعباً متجهاً بشدة نحو العمل والبناء للمستقبل وليس الشتيمة والسب فى أى وكل أحد وأى وكل حاجة. بعدما توقفت المعارك، كان لا بد من نظام للمحاكمات يضمن ألا ينفصل الحق عن العدالة كما يحدث فى مصر؛ حيث قد نعرف من ارتكب الجريمة، ولكن لا نعرف أن نثبت ارتكابه لها بسبب مشاكل فى الإجراءات. وهنا عاد الروانديون إلى جذورهم، ليتبنوا نظام «Gacaca courts» وتنطق محاكمات جاتشا تشا، والتى تكوّن منها حوالى 10 آلاف محكمة على درجات متفاوتة لتحاكم حوالى 120 ألف متهم بالتطهير العرقى أو القتل الفردى أو السرقة أو الاغتصاب. وهى فى الأصل شكل من أشكال القضاء المحلى القروى، وقد تبنت الدولة هذه الفكرة ونظمتها فى صورة محاكم على ثلاث درجات، وتتكون كل محكمة من تسعة قضاة، يكون أحد أعضائها أحد القضاة المحترفين، أما البقية فهم أشخاص منتخبون من أهل كل قرية أو مدينة، ويميل هؤلاء دائماً إلى العفو وتخفيف العقوبة إذا وجدوا أمامهم أن المتهم اعترف بخطئه وطلب مخلصاً أن يسامحه من أخطأ فى حقهم. وقد قامت هذه المحاكم بتصنيف الجرائم إلى أربعة أنواع وتتدرج معها العقوبات: فمن سرق ورد ما سرق وطلب العفو يُعفى عنه، وترتفع حدة العقوبة ومدتها مع ارتفاع الجريمة، ومثلاً تم إعدام 22 شخصاً فى العلن لأنهم لم يكونوا يقتلون فقط، ولكنهم كانوا يحرضون الآخرين بعنصرية شديدة على القتل الجماعى. الرئيس الحالى فى رواندا اسمه «بول كاجمى». يُنتخب لسبع سنوات، البرلمان الرواندى يكاد يكون الوحيد فى العالم الذى أغلبيته من النساء، مؤشرات النمو فى رواندا تعد الأعلى أفريقياً، الناس بدأت تنظر إلى الأمام، لأنها اكتشفت أن النظر إلى الماضى طويلاً ليس مجدياً بل إنه معطل. إجراءات المصارحة والمحاكمة والمصالحة نجحت فى وضع رواندا على الطريق الصحيح. كلما قرأت عن رواندا تفاءلت، وكلما شاهدت أو قرأت أو سمعت ما نقوله فى حق بعضنا البعض قلّ تفاؤلى. نحن الجناة فى حق أنفسنا إن فشلنا. أقترح على التليفزيونات المصرية أن تعرض فيلم As We Forgive الذى يحكى عما حدث فى رواندا، ومعنى النظر إلى الأمام بدلاً من العيش فى الماضى، كى نعرف معنى القصاص العادل وليس الثأر المقيت، كيف نعرف معنى العفو النبيل وليس التنكيل المقيت، كى نعرف نعمة الله التى أنعم بها علينا وكيف نضيعها، وكيف نعرف حاجتنا لنخبة جديدة. ولأننا مش هنعرف نستورد نخبة، إذن: لنا الله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لماذا لا نستورد نخبة لماذا لا نستورد نخبة



GMT 20:14 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

طريق الخسائر والكبائر

GMT 20:11 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

المصداقية كلمة السر لصناع القرار

GMT 20:08 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

عون رئيساً لاسترداد لبنان

GMT 20:05 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

الدبلوماسية العربية ــ الدولية وجمهورية لبنان الثالثة

GMT 20:02 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

عجائب الزماني... لابن الأصفهاني

GMT 19:58 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

كرة القدم... نقطة تجمع وطني

GMT 19:55 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

ليس حقلًا للتجارب

GMT 19:52 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

إعادة الإعمار!

أحلام بإطلالات ناعمة وراقية في المملكة العربية السعودية

الرياض - المغرب اليوم
المغرب اليوم - الصحف العالمية تتناول تحديات وآمال رئاسة جوزيف عون في لبنان

GMT 17:39 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

نواف سلام رئيس حكومة لبنان الجديد في سطور
المغرب اليوم - نواف سلام رئيس حكومة لبنان الجديد في سطور

GMT 19:28 2025 الإثنين ,13 كانون الثاني / يناير

خالد النبوى يكشف عن كواليس 4 شخصيات من أعماله
المغرب اليوم - خالد النبوى يكشف عن كواليس 4 شخصيات من أعماله

GMT 04:43 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

الركراكي يكشف سر نجاح الركلات الحرة

GMT 13:15 2016 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

اكسسوارات "هاند ميد" للسيدات التي تحب الإختلاف

GMT 06:35 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الصين تطور صاروخًا فضائيًا قابلًا لإعادة الاستخدام

GMT 03:47 2015 السبت ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

باحثون يحذرون من مخاطر تحمض المحيطات حول العالم

GMT 08:50 2017 الأربعاء ,09 آب / أغسطس

علماء يشرحون أهم أسباب "ارتجاع المريء"

GMT 12:15 2012 الإثنين ,24 أيلول / سبتمبر

"فورد فيوغن" الهجينة الأفضل بين مثيلاتها

GMT 07:58 2017 الإثنين ,23 تشرين الأول / أكتوبر

حقيقة اختطاف طلبة جامعة الجديدة رجل أمن والاعتداء عليه

GMT 07:07 2017 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

أسعار ومواصفات هاتف نوكيا Nokia 6
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib