معتز بالله عبد الفتاح
احذر الانفعال المفضى إلى الجهالة؛ فتتخذ قرارات وتتبنى مواقف ثم تندم عليها.
لى صديق عظيم الشأن عندى، اتصل بى تليفونياً من الخارج، وبعد السلامات، عاتبنى على أننى أيَّدت «الانقلاب ضد الشرعية» وأن الإخوان «ضحية مؤامرة» وأن «فض الميدان بهذه الطريقة مذبحة». وبعد أن ناقشته وناقشنى، طالبنى بأن أكتب فى الموضوع، لأن بعضاً من أصدقائنا المشتركين «يسىء الظن» بشخصى المتواضع. أعلم أن أجواء الحرب الأهلية الفكرية التى نعيشها جعلت الكل يتمترس خلف قناعاته، لكن هذا مقال للتاريخ، قد يكون، أو لا يكون، له معنى بعد أن تهدأ النفوس. هل من المتصور أن أحكم على الأمور وفقاً لمعلوماتى أم معلومات آخرين لا أثق بهم؟ أنا عشت تجربة لم أختَرها ولم أُرِدها فى آخر عشرة أيام قبل 3 يوليو تثبت أن الدكتور مرسى ورفاقه كانوا مستعدين أن يدافعوا عن مناصبهم تحت لافتة الشرعية حتى دم آخر شخص يؤيدهم، وأن فكرة أن تقع مصر فى فوضى أو يتم تدويل الشأن المصرى أقل أهمية عندهم من الكرسى المزعوم، وهو ما صدمنى بشدة.
بل إن المجهود المبذول مع قيادات «المنصة» الذين كانوا يحفزون الشباب على التصعيد بزعم أن «مرسى سيعود غداً» وأن «الملائكة تصلى معهم» حتى قبل فض الاعتصام بساعات، ثم هروبهم بعد الفض وتنصلهم مما كانوا يقولونه علناً، يثبت أننا لم نكن بصدد «تيار استخدام السياسة لخدمة قضية إسلامية» وإنما تيار «الاتجار بالإسلام لخدمة أغراض سياسية»، وهذه وقائع عشتها بنفسى مع الأسف. أما أن الإخوان ضحية مؤامرة، فهذا أكبر دليل على أنهم ضعاف الذاكرة؛ لأنهم كثيراً ما وعدوا وأخلفوا، وتحدثوا وكذبوا، والمؤامرة فى النهاية ما هى إلا عدة وعود وأكاذيب.
وحين أسمع من أشخاص وبعضهم مشايخ مقربون اشتكوا من أن الرئيس وقيادات الإخوان طالما وعدوهم ولم يلتزموا وحدثوهم ولم يصدقوا، أتساءل: هل المتوقع أنك تخدع وتكذب، وحين يعاملك الآخرون بما عاملتهم به يكونون تآمروا عليك؟
آخر حلقتين من برنامج «باختصار» كانت فيها نصائح وحلول وتحذيرات من مصير يشبه فتنة «سيدنا عثمان» لكن استخفافهم والاستهانة الشديدة أذهلتنى. أحد قيادات الإخوان «سخر» منى حين عرضنا أغنية «فات الميعاد.. تفيد بإيه يا ندم» فى البرنامج. وسأحتفظ لنفسى بنص كلماته، ولكنها كانت جد كاشفة.
أما قضية فض الميدان بهذه الطريقة، فهو أمر مؤسف تماماً. وحاولت مع غيرى الوساطة وترشيد أسلوب الفض قولاً وكتابة ومع أعلى أجهزة الدولة ومع قيادات إخوانية. ولكن الدم فى مصر أسهل، عند الجميع، من التراجع خطوة للخلف، وكأننا أعداء. لو تبنينا تعريف مفوضية حقوق الإنسان بأن القتل العمدى لمجموعة مواطنين غير مسلحين مذبحة، إذن هى مذبحة بفرض القتل العمدى والتسليح. ولو كانت مذبحة بحق، فقيادات الإخوان شركاء فيها بعندهم والأمن شريك فيها بغياب البعد الإنسانى فى سلوكه.
الوحشية فى مصر مسألة توقيت لكن المبدأ مستقر. كان هناك «كبش فداء» استخدمه المسلحون وكان هناك مسلحون بالفعل أساءوا للجميع.
وأذكر أننى قلت صراحة، والله شاهد على ما أقول، لأحد أهم متخذى القرار فى الدولة: «لا تجعل قضية هيبة ومصداقية الدولة تتسبب فى قتل أبرياء لأنها أمام الله وأمام ذويهم مسئولية كبيرة وسيكون لها نتيجة سلبية على تماسك النسيج الاجتماعى لمصر».
ولكن سبق الفض كلامى. وسيأتى كل منا يوم القيامة بما قال وبما فعل وسيحاسبنا الله؛ أما فى دنيا الناس هذه، فأنا لا أتوقع عدلاً فى ظل هذا الغضب المانع للتعقل.
أما أن يظن بى أحد سوءاً، فأنا أسوأ إنسان فى الكون ومسئول عن ثقب الأوزون، بالذات حين يكون من يحكم علىّ وعلى غيرى أشخاص ولاؤهم للفانلة الحزبية أكثر منه للوطن؛ ويظنون أن الكل له مصالح خاصة يسعى إليها. ومن هو مستعد أن يثق فى شخصى المتواضع وفى حكمى على الأمور، فليفعل بحذر، فأنا أخطئ يقيناً، ومن يظن غير ذلك، فليدعُ الله لى بالهداية أو يشتمنى. ولعنة الله على السياسة التى بدلاً من أن تخدم الإنسان تستخدمه، ولا أحد يطلب منى تولى أى مناصب سياسية، لو سمحتم.
ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا.
نقلاً عن "الوطن"