معتز بالله عبد الفتاح
«قبل أن تتحرك تأكد من سلامة طريقك: إن سلكت اليسار ستجد فخورين بفاشيّتهم يلعنون إنسانيتك. إن سلكت اليمين ستجد طائفيين يلعنون ضعف إيمانك وتخاذلك عند رؤيتك لدماء المسلمين ولأنك لا تنادى معهم بمطالب لا تؤمن بها. إن أكملت طريقك ستجد من يتهمونك بالتخابر والعمالة وكونك خلايا نائمة وطابورا خامسا لمجرد مطالبتك بالحرية واحترام الإنسان. إن قمت بالدوران ستجد من يتهمك بلحس البيادة وموالسة السفاحين لأنك لم تنتقدهم بشكل كاف. إن وقفت مكانك ستقع فى بلاعة، بلاعة اسمها وطن، وطن يكتم أنفاسك، ويسحب روحك بكل شناعة».. الكلمات السابقة للمخرج المتميز والصديق العزيز عمرو سلامة.
وهى كلمات تعكس حالة مجتمع يقف على الأطراف فى معظمه ولم يبق فيه من غير المتطرفين فى مشاعرهم ومواقفهم إلا القليل.
فى حوار مع أحد الأسماء الإعلامية المرموقة أبدى لى سعادة بمواقفه التى وصفها هو بأنها «متطرفة» وبررها بتطرف الطرف الآخر وبكم الإهانات التى وجهت له. وسألنى سؤالا عن شعورى حين يحدث اغتيال معنوى لشخصى المتواضع؛ فكان ردى أننى نادرا ما أنجرف نحو مشاعر الكراهية والبغض والغل والغيظ التى أراها عند معظم من حولى. أعبر عن موقفى فى تواضع وليقبله من يقبل، وليتجاهله من يتجاهل، وليعارضه من يعارض. وأعتقد أن أغلب المصريين «الطبيعيين» هم أصلا أناس ضد التطرف. هم لم يكونوا ضد شخص مبارك أو شخص مرسى أو ضد الإخوان أو المجلس العسكرى. هم ضد هؤلاء حين تطرفوا فى مواقفهم واستخفوا بالإرادة الشعبية ولم يخاطبوا الناس بما يعقلون ولم يحاولوا (أو ينجحوا) فى أن يقنعوهم بما هو مقنع.
المصريون لم تكن لديهم مشكلة كبيرة مع مبارك إلا حين تطرف وصولا إلى مشروع «التزويث» وهو المصطلح الذى اخترعته آنذاك للإشارة إلى عملية «التزوير» من أجل «التوريث». ومشكلة المجلس العسكرى الكبرى أنه حين أطال الفترة الانتقالية لم يحدد لها مدى زمنيا فبدا وكأن «المشير حوّل الثورة إلى انتفاضة» وكان هذا عنوان مقال لى آنذاك. وزاد من مشاكله أنه تورط فى انتهاكات لحقوق الإنسان جعلت الكثيرين يعتقدون أن دولة مبارك لم تمت، فضلا عن تمسكه بحكومة عصام شرف دون أن يطلق سراحها بقبول استقالتها أو يعطى لها الصلاحيات الكافية.
ولم يكن عند معظم المصريين مشكلة مع «مرسى» حين قدم نفسه كرئيس لكل المصريين ولكن كانت عندهم مشكلة مع استخفاف الإدارة السياسية بالإرادة الشعبية وبدا وكأنه سعيد بأنصاره ومحبيه دونما اعتبار لغيرهم من المصريين، فكشف الرجل عن نقاط الضعف فى جماعته، ويئس الكثيرون من إصلاحها، فخرجوا عليها.
إذن الشعب تطرف حين تطرف من يحكمه، قاع المجتمع ماج وهاج وانتفض حين وجد أن من يدير قمة الدولة غير مكترث به وغير قادر على تلبية طموحاته. والحدوتة لم تنته بعد. وستظل سحب التمرد والانتفاضة ضد من فى قمة السلطة قائمة حتى نجد أجوبة على فوضى الأسئلة والتحديات التى تواجهنا عن علاقة الدين بالدولة، وقمة هرم السلطة بقاع المجتمع، والكبار بالصغار، والديمقراطية بالبيروقراطية، والمدنى بالعسكرى.
مرحلة انتقالية جديدة ولكنها، كسابقتها، تأتى محملة بالكثير من تحديات المرحلة السابقة عليها وما تستدعيه من تحديات تاريخ طويل من الأسئلة المؤجلة. وأسوأ ما فيها أننا مطالبون بالإجابة على هذه الأسئلة فى ظل بيئة مليئة بلون الدم ورياح الكراهية. القتل أصبح سهلا، والمواقف السياسية صعب أن تربطها بمبادئ أو مصالح عليا، والناس حيارى. هم لا يريدون لبلدهم أن تصبح مثل سوريا وينقسم جيشهم إلى ميليشيات تحت مسميات مختلفة، ولكنهم كذلك لا يريدون أن يعودوا إلى عصر تضيع فيه الحقوق والحريات.
حين طلب الفريق السيسى التفويض قلت:
لا أخفى حضراتكم سرا أن مخاوف كثيرة تتملكنى من أن العقول وقعت فريسة لغريزتى الخوف والغضب. الخائف يفقد نصف رشده لأن خوفه يعميه عن معرفة الصديق من العدو، والغاضب يفقد نصف رشده الآخر لأن غضبه يفقده القدرة على تقدير حدود الوعد وحدود الوعيد وعلى التمييز بين الفرصة والفخ.
الإخوان أمامهم فرصة يرونها فخا، والجيش أمامه فخ يراه فرصة. الحذر الحذر قبل أن نندم جميعا.
نقلًا عن جريدة "الوطن"