معتز بالله عبد الفتاح
هل تلاقت إرادات قادة النظام الدولى مع قيادات المنطقة مع إراداتنا، على أن تكون مصر هى رجل المنطقة المريض؟ تلك الدولة التى ليست بكامل صحتها حتى لا تكون تهديداً للمحيطين بها (مثلما كان على عهد ما عُرف بالحرب الباردة العربية فى الستينات أو تهديد إسرائيل)، ولكنها ليست دولة فاشلة تماماً، وغير قادرة على السيطرة على حدودها وعلى جماعاتها بما يجعلها أيضاً مصدر تهديد للمحيطين بها.
يقول منظّرو المدرستين الواقعية والبنيوية، فى تحليل العلاقات الإقليمية والدولية إن مفهومى القوة والضعف هما المدخلان الأساسيان لفهم توجّهات السياسة الخارجية للدول. كل دولة تسعى لتحقيق واحد أو أكثر من الأهداف التالية: تعظيم قوتها، إظهار قوتها (على سبيل الردع للآخرين)، منع الأعداء والأعداء المحتملين من الحصول على المزيد من مصادر القوة (كما ذهب هانز مورجانثو وأكد فوستر دالاس).
لكن الغريب أن يجتهد أبناء الدولة نفسها فى أن يكونوا جزءاً من مؤامرة الآخرين ضد بلدهم. بعض الدول المحيطة وبعض قيادات النظام الدولى يرون مصر فى مكانها الأفضل من وجهة نظرهم ما دامت «عالة» على الآخرين تستورد أكثر من 60 بالمائة من غذاء شعبها من الخارج. أتفهم أن هناك من لا يريدون مساعدتنا لأنهم يخشون قوتنا. لكن الغريب أننا نفعل كل ما يُضعفنا، وكأننا نتآمر على أنفسنا.
أنعم الله علينا بحريتنا، وها نحن نحيلها فوضى. أنعم الله علينا بقوتنا، وها نحن نحيلها ضعفاً. أنعم الله علينا بحقنا فى تقرير مصيرنا، وها نحن يخون بعضنا بعضاً ويقامر الجميع بمستقبل الوطن. أودع الله بلدنا أمانة فى أعناقنا، وها نحن نتعاون فى خيانتها. بدلاً من أن تكون أولوياتنا النهضة والتقدم والازدهار، أنفقنا الغالى والنفيس كى نسارع فى الصراع ونتباطأ فى الإنجاز. بدلاً من أن نجتهد فى بناء وطننا، يجتهد بعضنا فى تدمير ما بقى من قدرتنا على بنائه.
عدونا كان ينبغى أن يكون الجهل والمرض والفقر والانقسام، لكننا جعلنا بعضنا عدواً لبعض.
من نحو 2500 سنة، أبهرت الحضارة اليونانية القديمة العالم لمدة 200 سنة بمجموعة من أفضل وأعظم العقول الفلسفية والرياضية والعلمية والفنية والأدبية ثم انتهت. ولم تقدّم اليونان لبيئتها الإقليمية أو العالمية أى إنجاز كبير يُذكر لها منذ ذلك التاريخ. وكأنها كانت دفقة حضارية أخرجت فيها كل ما عندها وانتهت.
هل مصر هى يونان هذه المنطقة من العالم؟ ماضٍ عظيم، ومستقبل مشكوك فيه؟ لى صديق أمريكى قام بعمل معادلة رياضية معقّدة نسبياً لتوضيح عدد السكان الأمثل لكل دولة، آخذاً فى الاعتبار الموارد البشرية والمادية ووفرة السلع الاستراتيجية. وبتطبيقها على مصر فى ضوء ما هو متاح لى من معلومات، فإن العدد الأمثل للسكان المصريين يكون بين 55 مليوناً و62 مليوناً. والهامش الكبير نتيجة عدم توافر معلومات بشكل دقيق. قيمة الرقم فى أن يكون واضحاً أننا نتحرك ضد صالح بلدنا، إن لم نكن واعين بأن الأكثر سعياً للإنجاب الكثيف هم الأقل قدرة أو رغبة فى الارتقاء بنوعية المواطنين، لأنه مع ارتفاع نوعية السكان (صحة وتعليماً ودخلاً) سيزيد قطعاً العدد الأمثل لسكان دولة.
لقد أخذت مثالاً واحداً لعدد السكان لأقول إننا ماهرون فى أن نفعل ما يضر بأنفسنا، وهى نفس الأخطاء التى تقع فيها بعض القوى السياسية وبعض قيادات المجلس العسكرى وبعض القيادات الثائرة، مع أنها جميعاً تزعم حباً لهذا الوطن.
هل تعلمون من يتآمر على مصر؟ ربما لا نحتاج لأن ننظر شرقاً أو غرباً أو شمالاً أو جنوباً، داخل منطقة الشرق الأوسط أو خارجها. ربما نحتاج فقط لأن ينظر بعضنا فى المرآة لنعرف من يحرص على أن تصبح وتظل مصر: «رجل الشرق المريض».
نحن أعداء أنفسنا، ولو توقف بعضنا قليلاً عن توزيع الاتهامات على الآخرين، ونظر إلى نفسه ومسلكه وكيف أسهم فى ما نحن فيه، لربما وجب علينا جميعاً الاعتذار.
هذا كلام قديم، عنّ لى أن أعيد التأكيد عليه.
نقلاً عن جريدة " الوطن "