معتز بالله عبد الفتاح
من أكثر ثورية؛ النائب العام الحالى أم النائب العام السابق أم النائب العام اللاحق؟ وما المعيار؟
هل لو أحد قيادات جبهة الإنقاذ ثبت تورطه فى جريمة ما، سواء قبل الثورة أو بعد الثورة، وقام النائب العام باستدعائه والتحقيق معه، ثم تحويله إلى المحاكمة، هل هذا النائب العام فى هذه اللحظة معارض للثورة أم ثورى؟
هل لو أحد قيادات جماعة الإخوان المسلمين ثبت تورطه فى جريمة ما، سواء قبل الثورة أو بعد الثورة، وقام النائب العام باستدعائه والتحقيق معه، ثم تحويله إلى المحاكمة، هل هذا النائب العام فى هذه اللحظة معارض للثورة أم ثورى؟
هل تعرفون ما الإجابة؟ الإجابة تقتضى العودة حوالى 2500 سنة إلى الوراء لشخصين أحدهما اسمه أفلاطون والآخر اسمه بولماركوس.
وقبل أن أحكى الحكاية أستأذنكم أن تسامحونى لو كنت أحياناً أبدو مثل من يستعرض معلوماته، والله هذا ليس قصدى، ولكن مع هذه الثورة، مصر تبدو فى حالة غل عميق وبعث من جديد على أسس غير سليمة، وكأن ماضينا لا قيمة له لأنه «ماضى مبارك» والجيش «جيش مبارك» والشرطة «شرطة مبارك» والقضاء «قضاء مبارك» وكله بيكسر فى كله لأن الشعب «شعب مبارك».
طيب سيبونا من مبارك، إيه رأيكم فى أفلاطون وصديقه بولماركوس Polemarchus حين ناقشا معنى العدالة، فكانت إجابة بولماركوس التى يرفضها أفلاطون والفلاسفة بل وكل الأديان من بعدهم ونقبلها نحن ونعيش بها هى أن العدالة هى: justice is doing good to friends and harm to enemies
أى أن نفعل الخير لأصدقائنا وأن نفعل الشر لأعدائنا، يعنى لو النائب العام عيّنه الدكتور مرسى وأنا أؤيد مرسى، ومرسى صديقى إذن هذا النائب العام هو العدل. ولو كان النائب العام عيّنه مبارك وأنا أؤيد مبارك، ومبارك صديقى، إذن النائب العام هو العدل. ولو كان النائب العام عيّنه مرسى وأنا أرفض مرسى، ومرسى عدوى إذن النائب العام هو الظلم.
على فكرة، لما كنت أدرس هذا المقرر الدراسى فى الولايات المتحدة، قلت لأستاذى: تعريف بولماركوس للعدل لا ينطبق على العدل، لكنه ينطبق على السياسة. وكانت هذه الملاحظة مسار إعجابه، وطلب منى كتابة ورقة فى هذا الموضوع (ومع الأسف بحثت عنها ولم أجدها).
الشاهد، أننا شعب زى العثل.. فلة.. فلة.. والله. نُلبس الحق بالباطل ونلبس الباطل بالحق وإحنا سايبين إيدينا.
نحن تلامذة بولماركوس. نشتم فى الدستور لأننا نكره الإخوان ونقول عليه «باطل طائفى فاشى كارثى»، ومن أيام الاستفتاء حتى الآن نجد عشرات القضايا مرفوعة أمام مجلس الدولة تطالب بتطبيق الدستور الجديد فى عشرات القضايا من تعيين النائب العام، للرقابة السابقة على قانون انتخابات مجلس النواب، على إعادة تقسيم الدوائر، لحق المسيحيين فى بناء دور العبادة الخاصة بهم بلا تمييز.. إلخ. والله العظيم أحد «الفقهاء الدستوريين» كان يقول على الدستور إنه كله باطل ومزيف وإنه لا توجد فيه مادة واحدة دستورية، قال من يومين إنه سيرفع قضية لأن الإخوان قاموا بتسليم قذاف الدم وآخرين للسلطات الليبية مع أن هذا الدستور يحتوى على «مادة عظيمة»، والكلام له، (المادة 40) التى تنص على: «الحياة الآمنة حق تكفله الدولة لكل مقيم (وليس فقط المواطن) على أراضيها، ويحمى القانون الإنسان مما يهدده من ظواهر إجرامية». هل غيّر الفقيه رأيه؟ هل أصبحت له مصلحة فى الدفاع عن الرجل؟ لا أدرى.
ولكن نفس بعض هؤلاء، بعد سوق النخاسة الإعلامى ما يفتح ليلاً، تجدهم يقولون على نفس ذات الدستور إنه مزور ومزيف وباطل. لا توجد مشكلة فى انتقاد مادة أو عشر أو مائة ونطالب بتعديلها، لكن المزايدة تفقد المجتمع كله اتزانه وتجعلنا تلاميذ لبولماركوس.
المهم أتمنى على النائبين الحالى والماضى، اللذين لا أعرف الآن من فيهما الحالى ومن فيها السابق؛ لأن المسألة تتوقف على أى من شاطئى نهر الجنون يقف أحدنا، أن يتقدما باستقالتيهما وأن يتركا لمجلس القضاء الأعلى اختيار النائب العام الجديد.
يمكن تكون هذه البداية لحل جرثومة بولماركوس التى أصابت الشعب المصرى الشقيق. يمكن نلحق الشعب من الغرق فى نهر الجنون.
نقلاً عن جريدة "الوطن"