معتز بالله عبد الفتاح
هذا العنوان يوحى ابتداءً بأن الثورة كانت رشيدة فى مرحلة ما. واعتقادى أن رشدها كان شيئاً افتراضياً وربنا سترها معنا فيه حين أساء الرئيس السابق مبارك ورجاله تقدير الموقف بما جعلهم يتخذون كافة القرارات التى كفلت التفاف الشعب حول الثائرين. وربنا سترها معنا مرة أخرى حين التف الجميع حول شعار كان منطقياً وهو «الجيش والشعب إيد واحدة».
ولكن لأن بيننا من لا يقدر نعم الله عليه أراد أن يسىء لهذه الثورة العظيمة: أحياناً باسم تحقيق أهداف الثورة، وأحياناً باسم الحفاظ على الدولة، فانتهينا إلى وضع معيب قد تضيع فيه الثورة وقد تضيع فيه الدولة.
نحن أمام رئيس وجماعة لم ينجحا فى المهمة الأُولى والأَولى فى أعقاب أى ثورة أو حتى انقلاب وهى طمأنة الجميع واتخاذ إجراءات لبناء الثقة بينه وبين جماعته مع المعارضين له، وأن يكون رئيساً لمجلس إدارة الوطن والعضو المنتدب لإدارة البلاد من خلال شراكة حقيقية مع معارضيه مثلما فعل غاندى ومهاتير ومانديلا.
يا دكتور مرسى القضية ليست مرتبطة بشخصك ولكن عدم نجاحك سيعنى أن الثورة والدولة والتجربة الديمقراطية وما يسميه الإسلاميون «المشروع الإسلامى» كلها ستخضع لانتقادات حادة. ومع ذلك، يبدو أنك فى حالة إنكار لكل هذه الأبعاد وتظن أن معارضيك من القلة والضعف والتآمر بحيث أنهم غير ذى بال. ولكن هذا الإنكار له نتائج سلبية شديدة نتكبدها جميعاً.
أزعم أن الدكتور مرسى يدير البلاد بطريقة غير رشيدة أو على الأقل طريقة ليست الأرشد فى ضوء البدائل الأخرى المتاحة أمامه، التى أفضت فيها مع آخرين من قبل.
وفى المقابل، هناك من يغامر باستقرار البلاد ويتصور أنه يستطيع أن يكرر ما حدث فى أيام الثورة الأولى مرة أخرى الآن. الشروط الموضوعية لثورة جديدة غير متوافرة. نعم هناك تراجع فى شعبية الرئيس، وعدم رضا عن تلك العلاقة الملتبسة بين مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان، ونعم هناك انتهاكات لحقوق الإنسان على نحو لا يليق بمصر ما بعد الثورة. لكن هناك كذلك انقساماً شديداً حتى بين الثوار الذين شاركوا فى الثورة الأولى بشأن ما الذى عليهم أن يفعلوه مع الوضع الراهن، كما أن الثورة مرت بفترة عصيبة من حكم المجلس العسكرى، الذى طالب بعض الثوار بألا يسلم السلطة خلال ستة أشهر مثلما وعد، بل طالبوه بالبقاء لسنتين أو أكثر. والرسالة التى يقولها أحد كبار قادة القوات المسلحة: «إن ذاكرتنا ليست قصيرة لهذا الحد حتى نعود مرة أخرى للسلطة وندخل فى فصل جديد من «يسقط يسقط حكم العسكر» ونعرض أمن مصر القومى للخطر». المقولة السابقة ليست استنتاجاً، هى اقتباس يلخص ما انتهوا إليه.
بعض الثوار الذين رفضوا مبارك ثم المجلس العسكرى ثم الرئيس المنتخب، وكل رؤساء وزراء مصر بعد الثورة وقبلها أغلب الظن لن يرضوا عن أحد، حتى لو جاء منهم. مع تسليمى التام بأن لكل هؤلاء أخطاءهم الكبيسة.
وكما كتبت من قبل عن رفضى للدخول فى مواجهات عنيفة مع جنود الشرطة والجيش سواء أمام السفارة الإسرائيلية أو غلق الطرق والمنشآت العامة والخاصة أو تظاهر المحافظين دينياً فى أماكن وجود المعارضين أو الاعتداء على المتظاهرين أمام قصر الاتحادية أو حصار مجلس الدولة أو المحكمة الدستورية أو مجلس الشعب، أو مدينة الإنتاج الإعلامى، أعلن رفضى التام للتظاهر أمام مقر جماعة الإخوان المسلمين فى المقطم.
أزعم أن الدكتور مرسى والجماعة أبطأ كثيراً مما ينبغى فى علاج مشاكل مصر وقضاياها وأقل رشداً فى إدارة ملفاتها الأهم إما لضعف فى الرؤية أو ضعف فى الكفاءات، وأزعم أن الثائرين أسرع مما ينبغى فى الاحتجاج على كل بديل سياسى لم يصنعوه بأيديهم وها هم يتحولون مع مرور الوقت إلى أقلية غير قادرة على إقناع أغلبية المصريين بالوقوف معهم أو تبنى قضاياهم.
إن الثورة، مع الأسف، تفقد رشدها. ولا بد من أن تُبعث هذه الثورة من جديد بأن تعود إلى سيرتها الأولى: ثورة وطنية وليست ثورة فوضوية.
نقلاً عن جريدة "الوطن"