معتز بالله عبد الفتاح
فى يوم واحد جمعنى لقاءان بمجموعتين من الأصدقاء، الأول مع بعض الأصدقاء المنتسبين إلى جبهة الإنقاذ، وكان حديثنا بشأن قرار المقاطعة أو عدم المقاطعة. وأعقبه لقاء مع بعض المنتسبين لجماعة الإخوان المسلمين بشأن خسارة الإخوان لدعم الكثير من حلفائهم التقليديين. بعد الاستماع للأصدقاء واسترجاع ما قيل والمنطق الكامن وراء التفاعل السياسى المتعامد مع التحليل الميدانى لأوضاع المجتمع المصرى، أحب فى يوم الناس هذا أن أعلن للشعب المصرى الشقيق نتائج مباحثاتى عالية المستوى المشار إليها. يا شعب: نحن نحكم بالسكاحاية ونعارض بالبيستك ناو. وبالعودة إلى المعجم السياسى المصرى سنكتشف أن السكاحاية هى حالة لولبية قائمة على غطرسة حادة فى اللعاب وانفجار فى شرايين الذات المتورمة تعقبها انفلاتات لفظية مصاحبة لتشنجات عصبية تجعلك تعتقد أنك مبعوث العناية الإلهية لإنقاذ الوطن من المخربين والمتآمرين مهما قال الناصحون أو تفوه مدعو الفهم.
أما «البيستك ناو» فهى حالة نفسية قائمة على ارتفاع درجة اللاوعى المصاحبة لتشنجات بذيئة مصحوبة بفوضى لغوية تعبر عن الاستياء العام والإدانة الجماعية المعبرة عن الاستلقاء المعرفى. وعموماً تظهر هذه الأعراض مساء بدءاً من الساعة الثامنة مساء مع أول ضربة تليفزيونية للبرامج المسائية.
وعلى هذا، فعلى الجالية المصرية المقيمة فى ربوع الوطن وعلى إخواننا من الشعب المصرى أن يعلموا أن السؤال لغير الله مذلة، وأن الاتكال على الساسة مضيعة، وأنه لا ملجأ من الله إلا إليه، وأن علينا أن نكرر دعوة الشويش عطية لما كان راكب مع إسماعيل ياسين الطائرة، والأخير هذا لا يجيد القيادة، فقال: «يا رب ما تجعل نهايتى على إيده..». لهذا لا بد أن يكون هذا دعاءنا: «اللهم لا تجعل نهايتنا على إيديهم أهل السكاحاية ولا معشر البيستك ناو».
هذا كان الحكم النهائى، أما الحيثيات فهى كما يلى:
أولاً، هناك من احترف الانتخابات وهناك من احترف المظاهرات. وكل يلعب بالورقة الرابحة لديه. «وكل طرف عايز يجيب مناخير التانى الأرض».
ثانياً، الديمقراطية المصرية كما يفهمها معظم السياسيين المصريين هى «ديكتاتورية لابسة فستان مكتوب عليه انتخابات ومظاهرات»، لأنها ديمقراطية بلا ديمقراطيين حقيقيين.
ثالثاً، أى مواطن مصرى شقيق عنده اعتقاد أن أياً من الطرفين على حق كامل أو على باطل كامل «يسيبه» منى لأن عندى من المعلومات والخبرات ما يؤكد أنها السياسة فى أسوأ وأنذل معانيها. ومن يريد أن يرى الأمر موقفاً بطولياً ضد قوى الشر، فليذهب يقاتل وحده: لا كل الإسلاميين طلعوا إسلاميين ولا كل الليبراليين طلعوا ليبراليين. ولكن المعضلة أن أياً من الطرفين لا يسعى لتطهير نفسه من المدعين، لأنه يحتاجهم فى المعركة «القذرة» التى يديرها ضد الطرف الآخر على ملعب الوطن وبكرة الشعب.
رابعاً، الموضوع لا رؤية ولا فلسفة ولا تصور متكامل لمصر رايحة على فين، هى ردود أفعال انفعالية لأفعال انفعالية ينطبق عليها منطق الهتيفة والمزايدين. وهؤلاء هم من يصدق عليهم قول بيرم التونسى:
من هفوة أو كلمة هايفة نِتحِمِق ونقوم، نِسبّ ونِدبّ ويدور العراك بالشوم، وكل محموق وله فرقة تقوم بهجوم، من قبل ما تعرف الظالم من المظلوم، ومنين نشوف العدل ولاّ السفينة تعوم، ما دمنا فوق قلبها قاعدين لبعض خصوم، تضحك علينا الحدادى فى السما والبوم.
خامساً، المعلن على الهواء مباشرة عبر الفضائيات الليلية والسهرات المسائية والمقالات البطولية لا يعبر بالضرورة عن الحقيقة. الحبة دولة بيكرهوا الحبة دول، وكل طرف يرى أنه سينجح إن نجح فى «ف، ش، خ» الطرف الآخر. وهى كلمة فى عرف أهل السكاحاية والبيستك ناو تعنى تدمير سمعة وقيمة ومكانة الطرف الآخر بالباطل قبل الحق. ولكن بعيداً عن الكاميرات، يقر كل طرف بحقيقة موقفه وأنه يفعل الكثير ويقول الكثير فقط لتدمير الطرف الآخر معنوياً وفقاً لنظرية «الحبة دول» و«الحبة دول».
سادساً: أيها الشعب المصرى الشقيق، فى هذه الحالة المتصاعدة سياسياً بين أهل السكاحاية وأهل البيستك ناو، أفكر أن نغير شعار المرحلة ليصبح: «بيستك ناو يا بيستك ناو، والسكاحاية ها تاكل الجو».
سابعاً، لنا الله.
نقلاً عن جريدة "الوطن"