معتز بالله عبد الفتاح
جاء فى القرآن الكريم «وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى» وهو منهج يتناقض مع الكثير مما يقال فى مصر الآن من سعى حثيث إلى اتخاذ مواقف حدية تضر أكثر مما تنفع وكأن الكل يشد البلد فى اتجاه يريده ولا يريده آخرون وتزداد البلاد تمزقاً. بما يذكرنى بقصة السيدتين اللتين دخلتا فى منازعة على أمومة طفل؛ كلتاهما تدعى أنها أمه، فما كان من القاضى الحكيم إلا أن أمر بأن يتم تمزيق الطفل جزأين وتحصل كل واحدة على نصيبها؛ فما كان من الأم الحقيقية إلا أن فضلت حياة الطفل على استحواذها عليه؛ فدللت على أنها الأم لأنها أبدت استعداداً للتضحية من أجل طفلها.
لقد أصيب الكثيرون بمرض الانتهازية السياسية، ونادراً ما نسمع كلمة الحق لله والوطن حتى لو على حساب فريقه، دون أن ندرك أن الوضع خطير.
حين تكون هناك فرصة للمعارضة كى تكسب نقطة ضد الحكم يتحول الدستور فى خطاب المعارضة لدستور طائفى مشوه معيب ركيك إخوانى سلفى وهكذا من صفات سلفية، وحين تكون هناك فرصة فى الدستور للمعارضة كى تستخدمه لضرب الإخوان، فهى تستند إليه كخنجر فى ظهر الحكم كأنها مباراة فى إلقاء اللوم على الطرف الآخر دون أن ندرك أن الوضع خطير.
وكذا بالنسبة لمؤسسة الرئاسة التى تتصرف وكأنها الحاكمة بأمر الشعب دون أن تنصت لقطاع من الشعب، كبر أو صغر، ممن يرونها تتصرف دونما اعتبار لوجوده بما يرفع درجة الحنق عندهم. نعم هناك حق لمن معه الأغلبية فى أن يدير شئون البلاد، ولكنه يستطيع أن يديرها بطريقتين: «مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى» أو «وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ».
لو كنا بصدد ناس يدعون، ولهم الحق ابتداء، أنهم «إسلاميون» فما نتوقعه منهم، ولنا الحق ابتداء، أنهم سيحكمون بالتى هى أحسن: بالشورى التزاماً بنهج النبى الذى يقولون: «الرسول زعيمنا».
ولكن حين تكون هناك فجوة بين ما يدعون وما يفعلون، إذن أرجوكم كفوا عن الخديعة بالشريعة لأنكم ساعة اتخاذ القرار لا تختلفون عمن ثُرنا ضدهم؛ مع فارق أنهم لم يدعوا قط أنهم «إسلاميون».
ولكن قد يقول قائل إنها ليست مسألة شرع أو شريعة، «هى ليست منزلاً أنزلنا الله إياه وإنما هى الحرب والمكر والخديعة» كما قيل بشأن موضع معسكر الجيش فى غزوة بدر، لكن حتى بهذا المعيار، فهناك ضعف واضح فى مهارات الإدارة الرئاسية، لقد ارتكب الرئيس وفريقه كل الأخطاء المحتملة فى عالم السياسة خلال الشهور السبعة الماضية بما جعلهم يفقدون حتى تعاطف من كانوا مؤيدين لهم دون أن ينتموا إليهم أيديولوجياً، وأصبحت هناك مخاوف حقيقية من قدرتهم على إدارة البلاد. لو عدنا لكتاب الأمير لـ«ماكيافيلى» سنجد عدداً من النصائح التى تصب فى خانة «الحرب والمكر والخديعة» مثل شعاره الشهير أن «الغاية تبرر الوسيلة» وحتى حين كانت الغاية هى «إيطاليا الموحدة وليست تلك الدولة المقسمة إلى إمارات ودويلات كثيرة لا همّ لها أو لأمرائها سوى تثبيت عرشهم بدم الإيطاليين» فإنه كان حريصاً على ألا يخسر الرئيس مصداقيته السياسية.
ولو كانت الغاية عند «الرئاسة» هى إقامة مؤسسات ديمقراطية، بفرض حسن النية، فإنها تفعل ذلك بكل ديكتاتورية، وهذه فى ذاتها أداة هادمة للهدف منها. الديمقراطية تبنى بالديمقراطية والديمقراطية تتطلب الشورى والتداول بين الشركاء، وهذا ما لا يحدث.
«ماكيافيلى» يقول إن الأمير لا يفتقر أبداً للأسباب التى تدعوه للحنث بوعده، ولكنه وضع قيداً وهو أن يكون حريصاً على احترام الناس له وخوفهم منه فى نفس الوقت. ونحن فى لحظة تاريخية يغيب فيها الاحترام ويغيب فيها الخوف أو نحن إليها أقرب. ويقول «ماكيافيلى» إن الحاكم مطالب بأن يقرب أعداءه منه حتى يأمن غدرهم. وهو ما لا يفعله الرئيس بامتياز. ولو كان «ماكيافيلى» حياً لقال: كى يصل أحدنا للسلطة فهو بحاجة لدعم مؤيديه ولكن كى ينجح فلا بد من دعم معارضيه.
إذن بأى معيار يحكمنا من يحكمنا، لو فيه معيار؟
إذن بمعيار الإسلام، هناك مشكلة. وبمعيار «ماكيافيلى»، هناك مشكلة. الوضع خطير.
نقلاً عن جريدة "الوطن"