معتز بالله عبد الفتاح
أسوأ ما فى طريقة التفكير المنهجى أنها تجعلك لا تستطيع ممارسة فضيلة التصعيد بلا إحساس بالذنب أو حساب للعواقب. الالتزام بالمبدأ مهم، ولكنها المعضلة التى وقع فيها الفلاسفة والمفكرون دائماً: ماذا لو تعارض المبدأ الراسخ مع المصلحة المحققة؟ ماذا لو أنك قررت التزام الصدق التام، فأجبت بالصدق عن سؤال «أين فلان؟» من شخص يريد أن يقتله؟ هل تقول الحقيقة التزاماً بالمبدأ وتضيع المصلحة؟ أم تكذب خروجاً على المبدأ وأملاً فى تحقيق المصلحة؟ طبعاً من السهل أن ندخل فى نقاشات نظرية بشأن ما هو المبدأ وما هى المصلحة، لأنه من المبدأ ألا «ضرر ولا ضرار» فالمرء حقيقة يفاضل بين عوائد وتكلفة الالتزام بمبدأين متعارضين فى هذه الحالة المشار إليها.
وهذا هو ما نواجهه مع شرعية الرئيس مرسى. من السهل أن نطالب بإسقاط مرسى، ولكن ماذا بعد؟ ماذا عن مؤيديه الذين سيقفون ضد أى انتخابات جديدة؟ أم هؤلاء خارج المعادلة؟
الصورة المثلى فى ذهنى لرئيس الجمهورية أن يكون «رئيساً لمجلس إدارة الدولة» وليس الحاكم بأمره فى شئون الدولة. كنت أتمنى رئيساً قادراً على أن يتواصل مع الجميع وأن يجتمع بالجميع وأن تكون قراراته نابعة من توافق حقيقى مع شركاء له فى الوطن. وحتى لا يكون الأمر خيالاً شخصياً، فمن يقرأ مذكرات نيلسون مانديلا يجد هذا تحديداً. ولكننا فى مصر لسنا أحفاداً لنيلسون مانديلا، نحن الفراعنة، إما أن ينصاع الآخر لنا وبلا تردد، أو أن يكون خارجاً علينا وبلا تردد.
نحن لا نعرف استراتيجية المكسب المعقول وتحقيق المكاسب المتدرجة، نحن نريد المكسب الأقصى والرفض التام للمطروح من الطرف الآخر. يلين الرئيس، تتشدد المعارضة. تلين المعارضة، يتشدد الرئيس. وتستمر الدائرة، ولا ننتبه لأن السفينة تقترب من الشلالات. ولكن «مش مهم» طالما أننا نستطيع إلقاء اللوم على الآخرين.
«مرسى ليس رجل المرحلة» عبارة صحيحة من وجهة نظرى لأسباب تتعلق بقرارات اتخذها هو وخرج عن النموذج الذى كنت أنا شخصياً أتمناه له. لكن نعمل فيه إيه؟ هذا هو السؤال. أتمنى عليه وبكل أمانة وحرص على الصالح العام أن يتنحى فى مرحلة ما وأن يدعو لانتخابات مبكرة، طالما استمر أداؤه على هذا النحو. أعرف أنه لن يفعل، ولن تسمح له الجماعة بأن يفعل. ولكن ما البديل؟ فلنستعد لانتخابات قادمة ستكون بعد ثلاث سنوات، حتى نكون أنجزنا واحداً من إنجازات الثورة وهى احترام قرار الأغلبية التى انتخبته رغماً عن اعتقاد الكثيرين اليوم أنه كان قراراً خاطئاً. وهى قصة طويلة ترتبط بتفتت أصوات الناخبين على مرشحين خمسة منتسبين للثورة.
ولكن فى نفس الوقت هناك الكثير مما يمكن فعله لحين تأتى الانتخابات القادمة وهى أولاً الاستعداد الجيد لانتخابات مجلس النواب، وبعده ستكون هناك انتخابات أخرى لمجلس الشورى وانتخابات المحليات. وهى كلها مناسبات انتخابية لو نجحت المعارضة بشكل تراكمى فى أن تحقق إنجازاً فيها، لخلقنا بيئة سياسية تنافسية سليمة. ولنتذكر أن الحزب الديمقراطى تبلور بعد فترة من سيطرة المحافظين على الحياة السياسية فى أمريكا، وحزب الليكود تبلور بعد فترة من سيطرة حزب العمل على الحياة السياسية الإسرائيلية، وكذا مع الأحزاب المنافسة لحزب المؤتمر الهندى والحزب الليبرالى فى اليابان.
على من يعارض الدكتور مرسى أن يقف بالمرصاد ضد كل السياسات الخاطئة التى يتبناها، ولكن شريطة ألا يستخدم العنف والكلام نفسه موجه للشرطة. وعلى الدكتور مرسى أن يقرأ المشهد قراءة مختلفة: المركب المطاطى الذى تقوده يمكن لأى من قواه أن تستخدم مسماراً لخرقه ومن ثم إغراقه.
الدكتور مرسى عليه أن يستعيد روح ما بعد وصوله إلى السلطة مباشرة، روح رئيس مجلس الإدارة والعضو المنتدب للدولة المصرية، وليس محمد على الذى احتاج لمذبحة القلعة، أو عبدالناصر الذى احتاج لحظر العمل الحزبى، أو السادات فى مواجهة مراكز القوى، أو مبارك وما فعل فى معارضيه.
أخشى أن الرئيس مرسى بشخصه وبعدد من المحيطين به، يورط نفسه والوطن فى استنساخ الماضى المصرى فى سياق مختلف تماماً. هذه مقامرة بالوطن.
نقلاً عن جريدة "الوطن"