معتز بالله عبد الفتاح
شعار «يا نجيب حقهم يا نموت زيهم» يتكرر كثيراً فى مصر، رحمة الله على كل من استشهد أو قتل غيلة أو كان ضحية إهمال أو ظلم، ولكن لماذا الموت أصلاً فى احتجاجات المفروض أن تكون سلمية؟
فى تقديرى أننا بصدد ثلاثة أنواع متداخلة من أسباب الاحتجاج: السياسات، السياسيون، القواعد السياسية.
أولاً، هناك الاحتجاج على السياسات أو على غياب سياسات تحقق مطالب العدالة بشقيها: الاجتماعى والجنائى. ثانياً وعند فئة أخرى، بالإضافة للاعتراض على السياسات، هناك كذلك احتجاج على السياسيين الموجودين فى السلطة وعلى حقهم فى الاستمرار فى مناصبهم. ثالثاً، بالإضافة إلى كل ما سبق، هناك من يعترض على العملية السياسية برمتها بما فيها من مؤسسات الدولة المصرية من محاكم وأقسام شرطة وهيئات ومصالح عامة.
وهناك نوع رابع من المحتجين يشير إليهم مؤيدو النظام الحاكم باعتبارهم «مؤجرين من أجل هدم الدولة ومنع الاستقرار»، على حد تعبير أحدهم.
وبالمناسبة لا توجد أى مشكلة فى الأسباب الثلاثة الأولى للاحتجاج طالما يتم ذلك بشكل سلمى يحترم حرمة الدماء وحرمة الممتلكات الخاصة والعامة. ولكن المعضلة أننا بصدد من يريد أن يهدم كل المبنى لأن عنده مشكلة، وهى غالباً مشكلة حادة وجادة، مع من يقطن الدور الثالث مثلاً. نحن الآن لم نعد نعارض السياسات أو الساسة نحن دخلنا فى مرحلة هدم السياسة ومؤسسات الحكم: محاولات حرق وتدمير المحاكم وأقسام الشرطة ومبانى المحافظات والمجالس المحلية والاستيلاء على الأسلحة والتهديد بوقف الملاحة فى القناة والاستيلاء على محطات خدمة عامة مثل الكهرباء أو المياه كلها مؤشرات على إحساس شديد بالظلم الذى أفضى إلى الاغتراب والعزلة عن المجتمع والدولة والإحساس بالقهر الشديد من قبلهم. المسألة بوضوح: «سنظلم المجتمع الذى ظلمنا. سنظلم الدولة التى ظلمتنا. سنظلم الساسة الذين ظلمونا. سنظلم المؤسسات التى ظلمتنا» وهكذا. إذن الحل لن يكون بمزيد من القمع ولكن بمزيد من رفع الظلم واستعادة هؤلاء إلى التيار الرئيسى للمجتمع والدولة.
لا شك أن المشهد الجماعى للمظاهرات أعقد من أن تحركه فقط الرؤى المعدة بعيداً عن الأحداث على الأرض، فمشاهد الدماء تؤجج مشاعر الغضب؛ وهناك من يراهن على أن المزيد من الدماء سيعنى إسقاط شرعية النظام بما يؤدى إلى سقوطه. ولكن دائماً السؤال المفتوح على الجميع: ما الذى يضمن أن إسقاط نظام عبر الاحتجاجات الشعبية لن يعنى إسقاط النظام التالى بنفس الطريقة؟
ولكن هذه الطريقة فى التفكير ليست هى الطريقة التى يفكر بها قطاع واسع من الغاضبين والرافضين الذين لا يفكرون فى «ماذا بعد؟» هم يفكرون فى ما هو لحظى ومباشر. بل هم يعتقدون أن التفكير بمنطق «ماذا بعد؟» رفاهية فلسفية هم ليسوا مستعدين لها. لكن حقيقة هو سؤال محورى للغاية.
الاحتجاجات تحتاج تدخلاً عاقلاً ممن بيدهم الأمر. بيان مجلس الدفاع الوطنى يوم السبت يعنى أن مؤسسات الدولة المختلفة، وليس فقط الرئاسة، مستعدة لأن تكون طرفاً فى حوار سياسى جاد حول إلى أين نحن ذاهبون. وكى أكون صريحاً فإن مؤسسة الرئاسة والحزب الحاكم والجماعة الحاضنة لهما اختاروا أن يقوموا بالتجديف فى اتجاه مختلف عن الاتجاه الذى اختارته المعارضة. عددياً، الحزب الحاكم والتيار المؤيد له حازوا الأغلبية، ولكن المعارضة لديها من القوة ما يكفى لأن تعطل مسيرة السفينة، وبالتالى الحوار ضرورة.
الحوار الوطنى السابق فقد مصداقيته لأن أعضاء الحزب الحاكم فى مجلس الشورى اعتبروا أن الحوار الوطنى غير ملزم لهم على عكس ما وعدت مؤسسة الرئاسة بما يدعم من الصورة الذهنية التى قالها كثيرون بما فيها أشخاص محسوبون على التيار السلفى من أن «الإخوان لا يلتزمون بوعودهم». إذن أقترح أن يكون الحوار تحت إشراف «مجلس الدفاع الوطنى» كبديل منطقى لأن فى هذا المجلس يوجد جميع مؤسسات الدولة الأساسية: الرئاسة، الوزارات السيادية، مجلس الشورى، ومجلس النواب حين يشكل. وبالتالى الحوار تحت إشراف مجلس الدفاع الوطنى سيكسب الحوار المصداقية التى فقدتها مؤسسة الرئاسة منفردة.
كفانا دماء، كفانا صراعات، ولنبدأ العمل.
نقلاً عن جريدة "الوطن"