معتز بالله عبد الفتاح
فى واحدة من محاوراتى مع باحث خليجى نافذ عن الأحوال فى مصر، أكد على أمرين: الأول أن هناك اهتماماً خليجياً شديداً بما يحدث فى مصر انقسم إزاءه الكثيرون بين «إخوانى» و«معادٍ للإخوان» مثلما كانوا ينقسمون بين «أهلاوى» و«زملكاوى» مع احتمالية تبادل المواقع. ثانياً، أن الخوف من «ثعبان الإخوان» شديد للغاية، والتعبير له، على استقرار دول الخليج، حيث كان النموذج الذى يطرحه مبارك غير مغر بالاحتذاء: فقر وقمع لأغلب المواطنين، لكن لو نجحت الثورة المصرية ونجح حكم الإخوان، فسيكون نموذجاً يراود البعض تكراره فى مجتمعات الخليج. وعليه، فإن إخفاقات الإخوان والكثير من السلبيات التى تمر بها الثورة المصرية، فضلاً عن نظيراتها فى سوريا وليبيا وتونس، جعلت الكثيرين ممن لديهم تحفظات على النظم الحاكمة فى الخليج، لا يفكرون فى امتداد الربيع إلى حدودهم.
وبسؤاله عن «ثعبان الإخوان» كان الكلام عن أن هناك من ينظر إلى الإخوان على أنهم «الثعبان الصغير» بحكم حداثة وصولهم إلى السلطة، ولكنهم حين يكبرون ويسيطرون ويتمكنون ستمتد أبصارهم خارج مصر حيث المحيط العربى الأوسع والذى يكاد يوجد لهم فى كل دولة عربية منه فرع، ودول الخليج ليست استثناء. أتذكر من سنوات حين كان الحديث عن التكامل الاقتصادى العربى مطروحاً، كان المصطلح المستخدم هو «الفيل المصرى» وكان السؤال من الذى يحب أن ينام بجوار الفيل. مصر بعدد سكانها وبثقلها التاريخى ستكون «عبئاً» على أى دولة تتكامل معها، والكلام ينصرف إلى التكامل الحقيقى، وليس فقط توقيع اتفاقات لا تساوى الحبر الذى كُتبت به، من وجهة نظر هؤلاء.
إذن، من وجهة نظر الخائفين من الثورة المصرية وما أفضت إليه من وصول الإخوان إلى السلطة، الآن مصر أصبحت «فيلاً» يحكمه «ثعبان»، وإن أرادت أن تنهض فعليها أن تعتمد على نفسها تماماً. هذه الطريقة فى التفكير شائعة للغاية، ولا يبدو أن شيئاً يمكن أن تفعله النخبة الإخوانية كى يغير هذا التوجه لعدة أسباب: أولاً، كل الامتدادات والفروع الإخوانية فى كل الدول العربية التى تسمح بقيام أحزاب سياسية، قامت بالفعل بتشكيل أحزاب سياسية تسعى للوصول إلى السلطة تحت مظلة الإخوان المسلمين، وهو ما نراه فى دول الشمال الأفريقى والأردن واليمن.
ثانياً، هناك أزمة مصداقية فى علاقة الإخوان بخصومهم السياسيين حتى داخل مصر قبل خارجها، بما يعنى أن أى التزامات يعلنها رئيس الجمهورية الحالى عن عدم تدخل مصر فى شئون هذه الدول ستقابله النخب الحاكمة فى دول الخليج مثلاً بنفس النهج الذى تتعامل به المعارضة المصرية مع الرئيس مرسى. ثالثاً، فائض الأموال العربية، والتى تُقدر بحوالى ثلاثمائة مليار دولار، تجد لها مكاناً مستقراً ومربحاً لها خارج المنطقة العربية، وكى تعود فلا بد من إجراءات اقتصادية وتشريعية كثيرة فى مصر كى تصبح مصر مستقراً لها. المستثمر الأجنبى أو العربى لا يدخل السوق المصرية إلا إذا كان له شركاء مصريون. والشركاء المصريون أنفسهم يجتهدون فى الخروج من السوق المصرية بسبب الملاحقات التى تنالهم قضائياً والتشهير بهم إعلامياً. رابعاً، حين تهتم الدول والشركات ذات الفوائض الاقتصادية بالاستثمار فى دولة ما، فلا بد لهذه الدولة أن تحقق شروطاً معينة سياسياً واقتصادياً وتشريعياً وشعبياً. وهذا غير متحقق فى مصر الآن. ولن يتحقق إلا باستدعاء خبراء حقيقيين فى الملفات الكبرى، ومصارحة حقيقية مع الشعب أولاً ثم مع العالم، وتجنب الوعود التى لا يلتزم بها مطلقوها، وهذا أخطر ما يحدث من مؤسسة الرئاسة الآن. خامساً، جماعة الإخوان المسلمين لا بد أن تقنن أوضاعها وأن تصبح «جمعية مصرية» خالصة ليس لها أى نشاط خارج حدودها، وتخضع تماماً للقانون المصرى بما فى ذلك الكشف عن مصادر تمويلها وعدد أعضائها وألا تلعب أدواراً سياسية إلا من خلال حزبها. وحتى وإن ظلت أفكار مؤسس الجماعة ملهمة لآخرين فى أماكن أخرى، لكن مصر ليست، ولن تكون، نقطة انطلاق لتهديد أحد من الجيران.
بغير ذلك، سيكون الوصف الذى قاله الباحث الخليجى صحيحاً، وستكون نتيجته وبالاً على مصر والإخوان. هذه تذكرة، عساها تنفع، وإن كنت أشك فى ذلك.
نقلاً عن جريدة "الوطن"