معتز بالله عبد الفتاح
لى صديق تونسى كان يعيش فى الولايات المتحدة ثم عاد لبلاده راغبا فى المساعدة، هاتفنى مسترجعا ذكريات هذه الفترة فى تاريخ الربيع العربى. وكان أمامه مقال لى كتبه العبد الفقير فى مثل هذه الأيام فى يناير 2011 وتناقشنا فى بعض ما جاء فيه لنقيم ما الذى حدث بعدها. جاء فى المقال أنه يمكن أن يتمرد أو يثور الإنسان لانتهاك خصائصه التى يتشارك فيها مع الحيوان مثل حاجته للأكل والشرب والتكاثر، ويمكن أن يثور الإنسان لانتهاك إنسانيته مثل حاجته للحرية والكرامة والعدالة.
التمرد من النوع الأول يستبدل بمستبد مستبدا أكثر قدرة على تلبية حاجات الإنسان الحيوانية على حساب المزيد من انتهاك حاجاته الإنسانية. وهذا هو ما فعله الاتحاد السوفيتى (المستبد) عقب الثورة البلشفية ضد حكم القيصر الأقل استبدادا، وهذا هو ما عمدت إليه النخب العربية التى أحلت حقوق البشر الحيوانية محل حقوقهم الإنسانية.
إذن، أمام الثائرين التونسيين سيناريوهان، الأول: أن ينتصروا ضد من انتهك حيوانيتهم على حساب إنسانيتهم بأن يقبلوا أن يحل مستبد جديد محل مستبد قديم بشرط توفير الغذاء والعمل والعلاج. والسيناريو الثانى: أن يناضل إخواننا فى تونس من أجل الحق فى حياة تليق بإنسانيتهم، ليس بالاستبدال بمستبد مستبدا وإنما بنظام حكم مستبد نظام حكم ديمقراطى. ولهذا فإن شعار الثورة القائل: «خبز وماء.. وبن على لا» ليس كافيا. ولا بد أن يحل محله «حرية وعدالة.. واستبداد لا».
إن أحداث الثلاثين يوما الأخيرة فى ثورة تونس هى رسالة تونسية لأشقائهم العرب.
رسالة يقول فيها التونسيون: لو كنا نعلم الغيب، لو كنا نعلم مدى ضعف حكامنا، لما لبثنا فى العذاب المهين.
رسالة تقول: إن النمو الاقتصادى دون ديمقراطية حقيقية لن يخلق رصيدا من الشرعية يمكن التعويل عليه إذا ما حدث تعثر اقتصادى.
رسالة تقول: إن الانتخابات الصورية والتعبيرية خطر على النظام السياسى؛ لأنها تعنى أن البديل الوحيد أمام المعارضة هو معاملة المستبد معاملة المحتل.
رسالة تقول: إن من يرى مظلوما ولا يساعده على رفع مظلمته هو شريك فى الظلم، وهو ما أعطى أهل مدينة سيدى بوزيد القدوة فيه حين اعتبروا أن إهانة البطل محمد بوعزيزى هى إهانة لهم جميعا، فانتقلت الشرارة من أحرار المدينة إلى مدن الأحرار الأخرى.
رسالة تقول: إن سياسة بقاء الحكام فى السلطة ما دام فى الصدر نفس يتردد وقلب ينبض هى خدمة الحاكم لنفسه وليست خدمة من الحاكم لشعبه. ولو أراد لشعبه خيرا لترك لهم الحق فى اختيار من يحكمهم بعد أن يفى بالتزاماته تجاه شعبه.
رسالة تقول: إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر. وهو جزء من النشيد الوطنى التونسى الذى أعتبر كلماته الأفضل بين أناشيد السلام الوطنى العربى المعاصر.
انتهى المقال، ولكن لم ينته النقاش. صديقى التونسى يرى أن أوضاع ما بعد الثورة فى تونس أصعب اقتصاديا من أوضاع ما قبل الثورة، لكنه «الثمن» الذى ينبغى دفعه كثمن للكرامة. يشتكى صديقى التونسى من الحكومة والمعارضة داخل المجلس الوطنى وخارجه، يشتكى من بعض من يستخدمون الدين لأغراض سياسية، يشتكى أن حلم الدستور الديمقراطى لم يزل بعيدا فى تونس، يشتكى أن الأصدقاء لم يقدموا يد المساعدة بالقدر الكافى لمساندة الاقتصاد التونسى، يشتكى أن نسبة من التونسيين فقدت الأمل وترى أن الطريق لم يزل طويلا: دستور (منتظر فى مارس أو أبريل) ثم انتخابات جديدة للرئيس وانتخابات جديدة للبرلمان وانتخابات جديدة للمحليات.
سألنى: هل أخطأنا؟ هل نصلح للديمقراطية؟ هل تصلح الديمقراطية لنا؟ هل هناك أمل؟
كان يسألنى عن مصر عسى أن يجد فى كلامى ما يساعده على فهم ما يحدث فى تونس. وكانت الإجابة: طبعا هناك أمل، وهناك نور فى آخر النفق، لكن النفق طويل لأننا نطيله بأنفسنا، سواء فى مصر أو تونس.
نقلاً عن جريدة "الوطن"