معتز بالله عبد الفتاح
لو مكتوب لهذا البلد أن يعيش بسلام فعليه أن يعى دروس العام المنصرم الذى يمكن أن أعتبره عاما شديد الصعوبة فقدت فيه الدولة والمجتمع توازنهما عدة مرات، وأخفقت صمامات الأمان من العقلاء فى نزع فتيل عدد من الألغام التى انفجرت فى وجوهنا جميعا. ولو كان لى أن أجمل أهم دروس العام الماضى لوضعتها فى صورة لاءات عشرة:
أولا، لا تحصين لأى قرارات رئاسية أو حكومية ضد التقاضى لأن هذه دعوة مفتوحة للنزول للشارع بما يحمله ذلك من احتمالات العنف. وما قيمة السلطة القضائية إلا فى أنها بديل متحضر عن الصراعات الدموية التى تشهدها مجتمعات بلا قانون. وكما قلت للرئيس مرسى فى أعقاب إعلانه الدستورى: «أرجوك، ما تعملش كده تاني!».
ثانيا، لا لاستخدام دور العبادة أو الشعارات الدينية فى أى انتخابات أو استفتاءات: لا جنة ولا نار، ولا ملائكة ولا شياطين فى مثل هذه الأمور الدنيوية. أرجوكم لا تخلطوا بين قداسة الدين وجاه الدنيا، بين عظمة الإيمان وحطام المناصب. أرجوكم نريد الدين أن يصلح السياسة بالأخلاق ولا نريد أن تُفسد السياسة الدين بالمصالح.
ثالثا، لا لمحاصرة أى مؤسسة من مؤسسات الدولة على النحو الذى يعوقها عن تأدية عملها أو على النحو الذى يروع أو يهدد القائمين عليها. دعونا نستنكر التهديدات التى وجهت للمحكمة الدستورية من بعض الثوار أثناء نظر قانون العزل ومدى انطباقه على الفريق شفيق حين كان مرشحا لانتخابات الرئاسة فى يونيو الماضى ثم مع منع المحكمة من الانعقاد فى ديسمبر 2012 واستنكارى التام للتهديدات أثناء تظاهر أنصار السيد حازم صلاح أبوإسماعيل أثناء نظر مسألة أحقيته فى الترشح. وهو نفس الرفض لمن يريدون محاصرة أى مؤسسة عامة أو خاصة أخرى.
رابعا، لا لأدلجة مؤسسات الدولة: لا لأخونة مؤسسات الدولة، لا لسلفنة مؤسسات الدولة، لا للبرلة مؤسسات الدولة. وهذا ما ينبغى الحرص عليه فى أثناء وضع قوانين واختيار قيادات الهيئات المستقلة والرقابية لأنها ستكون مطالبة من الناحية الرسمية بالحفاظ على حياد مؤسسات الدولة أيديولوجيا مع مسئولية مؤسسات المجتمع المدنى وأجهزة الإعلام لأن تراقب هذه المسألة.
خامسا، لا للعنف اللفظى أو لتخوين وشيطنة المعارضين فى الرأى والرؤية بل الحرص على تقديم روح المنافسة الشريفة لأنها المقدمة المنطقية للتوازن بين السلطات وللتداول السلمى للسلطة.
سادسا، لا للعنف البدنى أو المادى سواء بالاعتداء على أشخاص أو مبان تمثل الغير. إن أعظم النار من مستصغر الشرر.
سابعا، لا لتزوير إرادة الناخبين أو تعطيلهم عن الإدلاء بأصواتهم أو إبعاد القضاة الشرفاء على القيام بمهامهم فى الإشراف على الانتخابات وإلا فنحن نغامر بالعودة إلى ظروف انتخابات 2010 وما ترتب عليها من تداعيات.
ثامنا، لا لصمت المعتدلين على تشدد المتشددين وتطرف المتطرفين، لأنه إن لم يكن هناك صراع أفكار بين المعتدلين من داخل كل تيار والمتشددين والمتطرفين فيه، فسيكون هناك صراع أفكار بين التيار برمته ضد تيارات أخرى.
تاسعا، لا للاستقواء بالخارج تحت أى مسمى أو بأى حجة. وهذا لا ينفى أهمية الاستفادة من تجارب الدول الأخرى ومن المساعدات الأجنبية ومن التواصل مع المنظمات الدولية لأن تجارب الدول الأخرى هى معامل التجربة التى ينبغى أن نعود إليها للاستفادة منها.
عاشرا، لا لتغليب السياسة على الاقتصاد وتغليب صراعات النخب على معاناة الجماهير. هناك قرارات وقوانين مهمة كثيرة ينبغى أن تكون محور اهتمامنا مثل قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وقانون حماية المستهلك وغيرها كثير من أجل اقتصاد سوق فاعل وعادل. ولا بد من الاستفادة من الخبرات الاقتصادية والاستثمارية والإبداعية المصرية والأجنبية بأسرع وقت ممكن.
لا أقلق من عظم التحديات، ولكنى قلق من ضعف القدرات. ومع ذلك لا أظننا بدعا من البشر، نحن فقط فى حالة عدم توازن وبحاجة لاستعادة هذا التوازن بسرعة كى نبدأ العمل.
كل عام وحضراتكم بخير، وسامحونى على أى تقصير.
نقلاً عن جريدة "الوطن"