معتز بالله عبد الفتاح
مع إدانتى الكاملة لكافة التجاوزات فى عملية الاستفتاء، تعالوا نسأل أنفسنا: كيف نقيِّم الدستور الجديد؟
عندى إجابات مقتضبة وسأقوم بتفصيلها تباعاً فى مقالات متعددة. هل هذا الدستور أكثر ديمقراطية من السابق عليه (أى أكثر تأسيساً لقواعد المنافسة السياسية وتعدد مراكز صنع القرار والتوازن فى ما بينها)؟ هل هذا الدستور أكثر اشتراكية (أى يتبنى حقوق العمال والفئات الكادحة أكثر)؟ هل هذا الدستور أكثر ليبرالية (أى يتبنى الحقوق الشخصية والمدنية بقيود خارجية أقل)؟ هل هذا الدستور أكثر إسلامية (أى أكثر احتراماً لمبدأ عدم مخالفة الشريعة الإسلامية)؟
قطعاً ستتفاوت الاجتهادات، وقطعاً اجتهادى مذموم ممن يريدون للدستور أن يكون طريقة لإقامة المجتمع الذى يريد. ولا أزال محتفظاً برسالة وصلتنى من شخص لا أعرفه على تليفونى يقول مضمونها: «لعنة الله عليك وعلى كل واحد أسهم فى هذا الدستور الذى لا تتحاكمون فيه إلى شرع الله. لقد خذلتم الأمة ولن نسامحكم إلى يوم الدين». وبالمناسبة هذا جزء من رسالة أطول. وهكذا من وجهة نظر كل تيار أيديولوجى أو سياسى يريد الدستور أن يكون نسخة من البرنامج الانتخابى للحزب أو الشخص الذى ينتمى إليه مع أنه فى مجتمع أكثر عقلانية كان السؤال ينبغى أن يكون: «هل لو فاز حزبى فى الانتخابات يوجد فى هذا الدستور ما يمنعنى من تطبيق برنامجى الانتخابى؟».
وهذه هى المعضلة يا سادة يا كرام: نحن لسنا ديمقراطيين بالقدر الكافى، نحن نريد أن ننفى الآخر، نحن نريد أن نتصرف وكأن غيرنا غير موجود على الساحة. وكما قال الكواكبى: «المستبد لا يحكم إلا مستبدين» وكما قال الزكى النجيب محمود: «كل واحد فينا داخله فرعون يمارس استبداده على من هم دونه».
هل خرج أى طرف من هذا الدستور فائزاً تماماً أو خاسراً تماما؟ الإجابة يقيناً لا. ولكن على الأقل أنا أعلم أن قواعد اللعبة السياسية (على الورق، أى ورق الدستور) ستكون أكثر انضباطاً وأكثر ديمقراطية. ولكن المعضلة أن ما هو على الورق ليس بالضرورة هو ما يحدث فى الواقع إلا إذا انتقل ما هو على الورق إلى عقول الناس وضمائرهم.
مثلاً، هل السلطة القضائية اليوم أكثر استقلالاً مما كانت عليه من قبل؟ الإجابة نعم. ولننظر إلى الطريقة التى أصبح يختار على أساسها النائب العام مثلاً، فهو الآن يختار من مجلس القضاء الأعلى ويعين بقرار من رئيس الجمهورية والتعيين هنا أقرب إلى التوقيع على قرار التعيين مثلما فعل الدكتور مرسى مع تعيين الأنبا تواضروس. وكأنه يصبغ على اختيار مجلس القضاء الأعلى الصفة الرسمية ويبلغ بهذا القرار كافة مؤسسات الدولة للتصرف على هذا الأساس. هل يمكن أن يعترض الرئيس على هذا التعيين؟ الأصل أنه ليس من حقه أن يعترض، ولكن لو حدث اعتراض فهو مسألة لا تحل إلا بالعودة مرة أخرى إلى مجلس القضاء الأعلى وفقاً للدستور. ونفس الكلام بشأن قضاة المحكمة الدستورية العليا الذين ترشحهم جهات قضائية (وليس بقرار منفرد من الرئيس وفقاً لدستور 1971). ويصدر القرار من رئيس الجمهورية كنوع من إصباغ الطابع الرسمى على القرار وإبلاغ كافة مؤسسات الدولة الأخرى به. والعكس يحدث مع المؤسسات المستقلة والهيئات الرقابية أى يرشح الرئيس ويوافق مجلس الشورى، وهى آلية متعارف عليها ديمقراطياً بأن يكون هناك دائماً من يقرر أو يرشح وهناك من يصدق على القرار. فى دول العالم الأخرى، هذا ما كان ليعتبر شيئاً سيئاً. وأقرب مثال حين رشح أوباما جون كيرى كى يكون وزيراً للخارجية وينبغى أن يصدق على هذا القرار مجلس الشيوخ.
إذن هل هذا الدستور أكثر ديمقراطية من السابق عليه، الإجابة عندى نعم. ولكن هل أكثر اشتراكية أو ليبرالية أو رأسمالية أو إسلامية؟ هذا سيتوقف على من معه السلطة فى المؤسسات الثلاث: الرئاسة، مجلس الشورى، مجلس النواب. ولا يستطيع الدستور أن يحدد سلفاً من هؤلاء وإلا أصبح دستوراً غير ديمقراطى من الناحية الإجرائية. وللحديث بقية.
نقلاً عن جريدة "الوطن"