معتز بالله عبد الفتاح
سؤال من أحد الأصدقاء: لو كنت غير مصرى وكان هذا الدستور معروضا للاستفتاء، هل سأوافق عليه؟ الإجابة نعم رغما عن بعض التحفظات. ومع ذلك لأننا فى مصر فلا بد من الحكم على الدستور والسياق الذى سيعمل فيه: ستجد من يكره الدستور لأنه «إسلامى»، وهناك من يحبه لأنه «إسلامى»، وهناك من يرفضه لأنه ليس «إسلاميا» بالقدر الكافى، وهناك من يريد الأزهر أن يحمى الوطن من السلفيين، وبعد عدة دقائق يسأل: ومن الذى سيحمينى من الأزهر؟ وهنا يكون السؤال هل نحذف مادة الأزهر أم نبقى على مادة الأزهر أم نعدلها ولكن فى أى اتجاه؟
وهذا يرتبط بقضية أخرى: أن يكون وزير الدفاع من قيادات الجيش. هل هذا شىء إيجابى أم سلبى؟ هناك من يرى أن الحرص على أن يكون وزير الدفاع من قيادات الجيش مفيد لأنه حماية للجيش من الأخونة أو السلفنة أو اللبرلة مع كل تغيير فى الرئاسة. لكن هناك من سيعتبر أن الجيش بهذا سيكون دولة داخل الدولة. إذن نضع عليه رقابة مالية على مشروعاته الاقتصادية ويراقب أداءه العسكرى مجلس الدفاع الوطنى. هناك من يرى هذا كافيا، وهناك من يرى هذا سلبيا: ما الحل إذا كنا نخشى من الجيش ونخشى على الجيش؟
وهذا يرتبط بقضية ثالثة، لا نريد لأحد أن يتحكم فى إصدار الصحف أو تشكيل الجمعيات أو النقابات العمالية. طيب إذن تصدر بالإخطار. فكرة عظيمة.. ولكن بعد 5 دقائق نسأل: طيب ماذا لو أن الصحف أو الجمعيات أو النقابات خرجت على القانون؟ الجواب تتدرج العقوبة من حل مجلس الإدارة وصولا إلى حل كل النقابة بحكم قضائى (وليس بقرار إدارى) والحكم القضائى عادة يكون قابلا للاستئناف عليه. فكرة؟ ستجد من يرفض الفكرة ويقول من الأفضل وضع قيود من البداية على تشكيلها. وهنا تكون المشكلة لأن القيود البيروقراطية والأمنية يمكن أن تفتح الباب للاستبداد الحقيقى. ويستمر الجدل بشأن كل المواد لأننا تحكمنا المخاوف وليس الأمل.
سؤال من صديق آخر: لماذا عبارات الدستور مطاطة؟
قبل أن أجيب عن السؤال: تعال نسأل أنفسنا ما هو النص المكتوب سواء المقدس أو البشرى الذى لا يثير نقاشا بشأن المراد منه؟ ولهذا السبب عادة ما تأتى وراء الدستور جهات يحدد الدستور كيفية تشكيلها حتى تترجم كلمات الدستور لمعانٍ أكثر تحديدا وهذا ما يكون فى التشريع الصادر عن البرلمان ثم اللائحة الصادرة عن السلطة التنفيذية. وهذا التسلسل الغرض منه إتاحة الفرصة للدستور أن يكون المرجع الأعلى (مع إمكانية تعديله حتى يتناسب مع الزمن) ووجود محكمة دستورية عليا تراقب مدى تطابق القوانين والقرارات الرئاسية مع الدستور، ووجود محكمة إدارية (كجزء من مجلس الدولة) لمراقبة مدى تطابق اللوائح والقرارات الإدارية مع القانون.
والبديل عن كل ذلك هو وجود دستور شديد التفصيل وكأنه قانون (مثل الدستور الهندى أو البرازيلى أو الجنوب أفريقى بدرجة أقل)، ولكن عملية تعديله تكون من البرلمان بأغلبية خاصة. ولكن لو كنا فعلنا ذلك فى مصر، لقامت حرب شعواء ضد الدستور لأن هذا سيعنى أن الأغلبية البرلمانية الخاصة يمكن أن تطيح بكل الحقوق والحريات.
سؤال من صديق آخر: لكن هناك اعتداء على مؤسسة القضاء الآن؟
هذا كلام صحيح. وأنا قلت أكثر من مرة إن القضاء المصرى (ومعه المؤسسات السيادية والدينية) لا بد أن تكون بمنأى عن نيران الساسة. ولو أن هناك خللا أو تقصيرا من شخص أو عدة أشخاص فى أى جهة فليحاسب هؤلاء دون أن نشكك فى شرعية المؤسسة كاملة. إن محاصرة مؤسسات الحكم أو القضاء أو الإعلام هى جزء من «قانون القوة» الذى يتناقض مع «قوة القانون» وهناك مسئولية مباشرة على مؤسسة الرئاسة فى أن تتخذ الخطوات المنطقية لتمكين الموظفين العموميين من الوصول إلى أماكن عملهم.
ويستمر الجدل.
نقلاً عن جريدة "الوطن"