معتز بالله عبد الفتاح
هذه واحدة من أصعب العمليات الذهنية التى يمكن أن يقوم بها إنسان فى ظل هذا المناخ المستقطب. هناك حالة من تسجيل المواقف المتطرفة فى الدفاع أو الهجوم بما يضيع علينا القدرة على التفكير المتزن فى البدائل المتاحة ونتائجها. هل نستطيع أن نفكر فى «منتج» الدستور كنص مكتوب، وبين «منتِج» الدستور كفاعل سياسى؟ أشك فى إمكانية أن يفصل الناس النص عمن كتبه. ومع ذلك يجوز أن نسأل سؤالين كبيرين.
السؤال الأول: ما أسوأ ما يمكن أن يحدث لو اختار أغلب المصريين «لا» للتعديلات الدستورية؟
أولا: الكرة ستعود إلى ملعب الرئيس ليتخذ قراره للاختيار بين عدة بدائل مثل عودة دستور 1971 بتعديلاته فى 2011، تشكيل لجنة من عدد محدود من الأشخاص للنظر فى مشروع الدستور الحالى وتعديله ثم الاستفتاء عليه مرة أخرى، دعوة الناخبين لانتخاب جمعية تأسيسية تقوم مقام البرلمان وتضع الدستور الجديد دون استفتاء.
ثانيا: التصويت بـ«لا» سيعنى ازدياد عدم الاستقرار المؤسسى وما يعنيه ذلك من عدم الاستقرار الاقتصادى والاجتماعى لفترة قادمة.
ثالثا: التصويت بـ«لا» (رغما عن أنه سيعنى ارتفاع معدلات النضج السياسى عند الناخب المصرى)، لكنه سيزيد من حدة الاستقطاب وأن فريقا قد هزم آخر، وسيعطى زخما كبيرا للتيار الليبرالى. ولهذا يكون دائما السؤال كيف سنعيش ونعمل سويا فى يوم 16 ديسمبر، أى بعد الاستفتاء بيوم.
قطعا هناك سيناريوهات أقل إشكالية بفرض أن مزيدا من الحكمة ستسود جميع الأطراف.
والسؤال المقابل: ما أسوأ ما يمكن أن يحدث لو اختار أغلب المصريين «نعم» فى الاستفتاء على الدستور؟
أولا: بعض المنتسبين للتيار المحافظ دينيا سيعتبرون أن التصويت بنعم يعنى أنه تصويت لهم كأشخاص وكرؤية سياسية وسيعتبرون أن السعى للتوافق سكة الخسارة وأن سكة الإصرار على رؤيتهم حتى لو اعترض عليها الآخرون هى الطريق الصحيح.
ثانيا: أخطر ما فى «نعم» هو أنه غالبا سيفضى إلى المزيد من الانقسام عند التيار الليبرالى بما يعنى غيابهم عن المشهد الانتخابى القادم. وكما أشرت من قبل أن القضية قد لا تكون فى الدستور بنصوصه، وإنما فى العقول التى تتلقفه وموازين القوى السياسية التى ستفسره فى اتجاه دون آخر. وغياب الليبراليين عن البرلمان القادم، وهو برلمان ما بعد الدستور مباشرة، بكل ما له من أهمية فى تحويل الكثير من المواد الدستورية إلى مواد تشريعية، ينذر بخطر، مرة أخرى ليس من الدستور، ولكن من غياب التوازن فى مؤسسات الدولة التشريعية (مجلسى النواب والرئاسة).
ثالثا: اعتبار التيار الثورى أنه لم يعد شريكا فى المشهد السياسى إلا بقدر فرض نفسه على المجتمع والدولة عبر آليات غير رسمية، بعبارة أخرى الثورة لم تجد لها إطارا رسميا يعبر عنها، وبالتالى سيتحرك الثوريون خارج الأطر الرسمية التى هى أرحب لهم من وجهة نظرهم. وعليه، لن يكون الدستور هو بداية الاستقرار وإنما سيكون مجرد حلقة فى أسباب غيابه.
طبعا هذان هما السيناريوهان الأسوأ، ولا أريد أن يمتد تفكيرى إلى ما هو أسوأ من ذلك.
لست قلقا من التصويت فى أى اتجاه، أنا قلق من أن العيب عيب مصنع، وأن من كان يرفض تماما عودة دستور 1971 من الليبراليين والثوريين يطالب به الآن، مع أنه كان مقبولا تماما من القوى المحافظة فى فترات سابقة. وأن من كان يقبل التوافق سابقا من القوى المحافظة دينيا، عاد الآن ليرفضه على اعتبار أن الحكم الوحيد هو «الصندوق». وهذا صحيح من وجهة نظر الديمقراطية الإجرائية (أى من ناحية سلامة الإجراءات) ولكن ينبغى ألا نخلط بين إجراءات الديمقراطية وجوهر الديمقراطية وهو احترام وتنظيم الحقوق والحريات بما يضمن للجميع ديمقراطية الوصول إلى السلطة، وديمقراطية ممارسة السلطة، وديمقراطية الخروج منها.
ربنا يستر.
نقلاً عن جريدة "الوطن"