هل الدستور حق يفضى إلى باطل

هل الدستور حق يفضى إلى باطل

المغرب اليوم -

هل الدستور حق يفضى إلى باطل

معتز بالله عبد الفتاح

أنا قلق من التصويت بنعم على الدستور القادم. وعندى أسبابى. أغلب الناس الذين سيعطون أصواتهم لهذا الدستور، سيفكرون بمنطق أنه دستور سيأخذنا فى طريق الاستقرار وأنه غالباً أيضاً سيكون فيه الكثير من أسباب الديمقراطية. تلك الديمقراطية التى تبدو ظاهرة من الكثير من النصوص فى الدستور. لكن المعضلة الحقيقية هى أن هناك قوى، وهى القوى المحافظة دينياً ستفسر «نعم» ليس على أنه «نعم» لديمقراطية مستقرة، وإنما لها هى ولرؤيتها ولطريقتها فى الحياة، والأخطر لتفسيرها لشرع الله. وهنا قد يفاجأ البعض بأن ما كانوا يحلمون به من ديمقراطية تدعم الحرية ستكون ديمقراطية تخنق هذه الحرية. المسألة هنا ليست مسألة دستور، المسألة هنا مسألة توازنات قوى على الأرض. الدستور الأمريكى، كما هو، ولكن حكمت المحكمة الدستورية فى مرة بجواز الفصل بين البيض والسود فى المواصلات والتعليم حين كان يسيطر عليها محافظون (1896)، وهى نفسها حكمت لاحقاً بعدم دستورية قوانين الفصل العنصرى حين كان مسيطراً عليها قضاة أقل محافظة (1954). أمريكا، بنفس دستورها، لو حكمها الجمهوريون لمدة 30 سنة من خلال سيطرتهم على الرئاسة ومجلس النواب ومجلس الشيوخ، لن تكون هى أمريكا التى نعرفها الآن، وأكرر مع نفس الدستور. لذا كان الناخب الأمريكى دائماً حريصاً على ألا تكون هناك قوة واحدة مسيطرة لفترة طويلة من الزمن، وإنما على الأقل أن يكون هناك مجلس يسيطر عليه أحد الحزبين حتى «يفرمل» عملية التشريع. وهو نفس سبب إصرارى على وجود مجلس آخر (مجلس الشورى) وأن يكون له صلاحيات تشريعية حقيقية ويشارك الرئيس فى تعيين رؤساء الأجهزة الرقابية والمستقلة لمنع الاستبداد. ولكن كل هذا على الورق. القوى الليبرالية والثورية غير قادرة حتى الآن على الانتقال من مرحلة النضال الثورى إلى مرحلة المعارضة السياسية، أى من الميدان إلى البرلمان. مصر بنفس الدستور لو سيطر الإسلاميون على مفاتيح صنع القرار فيها ستكون مختلفة تماماً عنها لو سيطر عليها الليبراليون. وهذا نفس الكلام مع أى نص حتى النصوص المقدسة. ولنتذكر أن بن لادن كان يقتبس من القرآن الكريم، والشيخ محمد سيد طنطاوى كان يقتبس من القرآن الكريم. أنا قلق، ليس من الدستور. ولكن من العقلية التى ستتلقفه وكيف ستفسره. أنا قلق، ليس من الثورة، ولكن من اعتقاد البعض أن مصر فى خدمة الثورة وليست الثورة فى خدمة مصر. أنا قلق، من بعض المحافظين الذين لا توجد عندهم أى مشكلة لترويع الآخرين والخوض فى أعراضهم وسبهم على الملء وكأنهم يخدمون الإسلام بطريقة تتعارض مع الإسلام. وليتذكروا أن الله أعزهم بهذه الثورة كى يدعوا الناس بالحكمة وبالموعظة الحسنة. وليتذكروا أنهم ليسوا الأغلبية فى الانتخابات بسبب قوتهم، وإنما بسبب ضعف منافسيهم. أنا قلق، من بعض الليبراليين والثوريين الذين لا يحسنون قراءة الشارع ولا يدركون أنهم يعملون ضد مصلحتهم ومصلحة الوطن بقراراتهم المتسرعة. وليتذكروا أنهم طالبوا بتأجيل الانتخابات الأولى، وخسروا بسببها الكثير، وأنهم رفضوا تعديل دستور 1971 واستمراره كدستور الفترة الانتقالية مع أنه كان ينص فى مادته الخامسة على منع قيام أحزاب على أساس دينى أو على مرجعية دينية، ولكنهم رفضوه وانتهينا إلى الإعلان الدستورى الذى حُذفت منه هذه المادة وانتهينا إلى فيض من الأحزاب التى خالفت ما كان موجوداً فى دستور 1971. أنا قلق من أن يكون التصويت للدستور بنعم يعنى الحق الذى يفضى إلى الباطل. نفسى، ولا أعرف كيف أضبطها، أن تكون النتيجة، لو نعم هى الفائزة، أن تكون بنسبة لا تزيد عن 55 بالمائة من الأصوات، حتى لا يسىء المحافظون دينياً تفسيرها. أكرر، من له مشكلة مع مادة واحدة من الدستور، أو مع طريقة تشكيل أو عمل الجمعية، فله الحق بل أرجوه أن يقول «لا» ولكن كذلك أن يحترم حق الآخرين فى أن يقولوا «نعم». ربنا يستر. نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل الدستور حق يفضى إلى باطل هل الدستور حق يفضى إلى باطل



GMT 21:28 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

«هي لأ مش هي»!

GMT 21:25 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

الفعل السياسي الأكثر إثارة

GMT 21:22 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

سألوا الناخب.. فقال

GMT 21:20 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ديمقراطية على المحك!

GMT 21:18 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

عودة ترامب!

GMT 06:10 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الجزائري خارج الجزائر

GMT 06:07 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الجديد... أي أميركا ننتظر؟

GMT 05:06 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

نصيحة السيستاني الذهبية

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:38 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها
المغرب اليوم - ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها

GMT 17:36 2012 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

مجموعة للعناية بالشعر وتقويته

GMT 12:24 2018 الأربعاء ,25 إبريل / نيسان

أولمبيك آسفي يخطط لضم 4 لاعبين في الميركاتو

GMT 17:23 2016 الثلاثاء ,12 إبريل / نيسان

مشوار المنتخب السعودي في تصفيات كأس العالم 2018

GMT 02:35 2018 الإثنين ,05 شباط / فبراير

عفاف شعيب سيدة شعبية في مسلسل "فوق السحاب"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib