قصة التأسيسية

قصة التأسيسية

المغرب اليوم -

قصة التأسيسية

معتز بالله عبد الفتاح

الجمعية التأسيسية الحالية والسابقة والتالية (حال وجودها) هى قصة المصريين فى مطلع الألفية الثانية. وهى قصة ليست بعيدة عن قصص أخرى فى دول أخرى ولكن القصة المصرية لها مذاقها الخاص. وهى قصة ناتجة عن مفارقات.. هى أولاً، مفارقة الحزبى والوطنى؛ حيث إن تشكيل الجمعية من البداية هو تشكيل حزبى سياسى له عدد محدد يمثلون التيارين الكبيرين المحافظ والليبرالى، والمعيار هو مدى تمسك الطرفين بدور الدين فى الحياة العامة والتشريعية، وهنا تراجع عدد الممثلين للخلفية الوطنية غير الحزبية، والفنية المتخصصة. وكانت الصيغة الهشة التى قبلها الطرفان هى أن يمثل الإسلاميون بنسبة تساوى حوالى النصف ويمثل الليبراليون ومعهم مؤسسات الدولة بنسبة تساوى النصف الآخر. واعتبر كل طرف من البداية أن هذه التقسيمة فيها تنازل ضخم. الإسلاميون يرون أن نسبتهم فى البرلمان أكثر من 70 بالمائة وبالتالى هذه هى النسبة العادلة لهم، والليبراليون يرون أنهم بقبولهم أن يكون من بينهم مؤسسات الدولة يجعلهم يفقدون حوالى من 15 إلى 20 مقعداً. وكان الحل هو أن تكون نسبة التصويت مرتفعة عن النصف حال غياب التوافق. وصناعة التوافق بذاتها مسألة معقدة لأنه توافق على ما لا توافق فيه من وجهة نظر المتشددين أيديولوجياً. وهذا هو ما يأخذنا إلى المفارقة الثانية. ثانياً، مفارقة التشدد والمرونة؛ حيث إن قوى التشدد على الجانبين موجودة، وهى فى تشددها تعتقد أنها تتبنى مواقف وطنية؛ فالمحافظون يعتقدون أن الوطنية فى أن تكون عبارات من قبيل «شرع الله» «أحكام الشريعة» موجودة بكثرة لضمان ألا يخرج الدستور عن شرع الله، والليبراليون يعتقدون أن الوطنية فى أن تغيب هذه العبارات ليست بالضرورة رفضاً لشرع الله ولكن تحوطاً من أن تُستخدم هذه العبارات كأداوات لصناعة دولة كهنوتية. ثالثاً، مفارقة الدستورى والانتخابى هى معضلة ما بعد حكم المحكمة الدستورية بحل مجلس الشعب؛ حيث كانت واحدة من ميزات «الانتخابات أولاً» أن الذين يضعون الدستور لن تكون عليهم ضغوط الانتخابات القادمة فى أعقاب إقرار الدستور. لكن مع حل مجلس الشعب، والحل المنتظر لمجلس الشورى، فإن المنتمين لقوى سياسية تريد أن تنافس فى الانتخابات القادمة يجدون أنهم مطالبون بأن يخدموا أنفسهم بمخاطبة قواعدهم من داخل الجمعية. وعليه فلن يقبل الليبراليون أن يفقدوا دعم قواعدهم فى الانتخابات القادمة بسبب قبولهم مواد تضع قواعد على الحقوق والحريات، ولن يقبل المحافظون أن يفقدوا دعم قواعدهم فى الانتخابات القادمة لأنهم لم ينجحوا فى أن يحققوا أى مكاسب ترتبط بضمان عدم مخالفة الشريعة الإسلامية فى التشريعات. بعبارة أخرى، نحن نعانى من عيوب بديلى «الدستور أولاً» و«الانتخابات أولاً» ولم نستفد من مميزات أى منهما. والسؤال: ما الحل؟ أولاً، لا أملك أن أنكر على من انسحب انسحابه ولا على من جمد عضويته تجميده لها؛ ببساطة هو غير قادر على أن يكون جزءاً من عملية كتابة دستور لا تعبر عن «مصر» التى يريد ويتمنى. ولكن عليهم مسئولية ألا يكون انسحابهم سلبياً، وإنما أن يكون إيجابياً بالعمل الجاد على طرح مسودة دستور بديلة تعبر عما يأملونه. وإن لم يفعلوا فالكرة ستظل فى ملعب القوى المحافظة. ثانياً، قلت وكررت أن مادة مبادئ الشريعة بالصيغة التى كانت عليها فى عام 1971 ليست مانعة من احترام أحكام الشريعة ولكنها كأى مادة دستورية أخرى تنقل كرة التشريع والتنفيذ إلى البرلمان والرئاسة. ولكن يبدو أن بعض الأصدقاء من التيار المحافظ دينياً لا يرون أن هذه المادة بصيغتها هذه بلا تغيير أو تفسير كافية تماماً. ويبدو أنهم سيهدمون كل شىء بلا عائد حقيقى. ثالثاً، لا تزال مؤسسة الرئاسة بالانتظار، ومن تواصلى معها، هى تفكر فى كل البدائل، وهذا فى ذاته مهم للغاية لأن كرة اللهب التى حذرت منها بدأت فى التحرك بالفعل فى اتجاه القصر الحاكم. لست على يقين من مسار الأحداث لاحقاً. ولكن لا شك أن الجمعية التأسيسية جسدت كل ما فى العقل السياسى المصرى من مشاكل، وبدلاً من أن تكون الحل أصبحت جزءاً من المشكلة. نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قصة التأسيسية قصة التأسيسية



GMT 10:34 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 10:32 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 10:31 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 10:29 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 10:27 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 10:25 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 10:06 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

المثقف وزرقاء اليمامة وكناري المنجم

GMT 10:04 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تطابق من سبايك لى إلى هانى أبو أسعد!!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 15:56 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 03:18 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق
المغرب اليوم - أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق

GMT 17:41 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميداليتان للجزائر في الدورة المفتوحة للجيدو في دكار

GMT 17:40 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم ليفربول يشعل مواقع التواصل بمبادرة "غريزية" غير مسبوقة

GMT 14:14 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

متزوجة تعتدي على فتاة في مراكش بسبب سائح خليجي

GMT 10:41 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

عروض فرقة الفلامنكو الأندلسية على مسرح دونيم الفرنسي

GMT 16:22 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

جدول أعمال مجلس الحكومة المغربية في 25 كانون الثاني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib