رسالة من مالطا

رسالة من مالطا

المغرب اليوم -

رسالة من مالطا

معتز بالله عبد الفتاح

نحن بصدد كتابة دستور جديد، وبين دعاوى الانسحاب من ناحية والرغبة فى المغالبة العددية من ناحية أخرى نحن بحاجة إلى أن نعرف كيف يدير الآخرون حواراتهم، ليس لأننا سنلتزم بما يفعله الآخرون، ولكنه أقرب إلى من يؤذن فى مالطا. إذن هى رسالة من مالطا مضمونها أننا يمكن أن نتخيل هرما له قاعدة وله رأس وبينهما أدوار من البدائل المتاحة لنا. فأولا فى قاع الهرم هناك ما يمكن تسميته «سب الشخص» (name-calling)، وهو أدنى مراتب الاختلاف، ومع الأسف الأكثر شيوعا فى مصر، وفيه تنطق بعض الألسنة بما فى النفوس فتهوى بأصحابها. الطابق الأعلى مباشرة فى هرم الاختلاف هو «مهاجمة الشخص» (ad hominem)، ليس بالسب ولكن بتوجيه انتقادات ليس لها علاقة بجوهر الفكرة المطروحة، فننشغل بالأشخاص والأشياء أكثر من مضمون ما يقدمونه من أفكار وتحليل للأحداث، فيُتهم كاتب ما بأنه من «محاسيب إيران»، لأنه يوضح أن إيران نجحت فيما أخفقت فيه مصر سابقا من تحقيق معدلات أداء اقتصادى وعسكرى وتكنولوجى، ومع ذلك من الممكن أن يكون انتقاد الكاتب مبررا إذا كان مبنيا على أسباب (حتى لو اختلفنا معها)، كانتقاد من يدافع عن حزب أو جماعة بانتقائية شديدة للمعلومات أو بتزييفها، ولكن هنا لا نقول إن هذا الأسلوب هو «مهاجمة للشخص» وإنما هو انتقاد لمصداقيته أو منهجه بأدلة مرتبطة بالقضية موضع النقاش. الطابق الثالث فى هرم الاختلاف هو «مناقشة التوجه العام» (responding to tone)، وهو أقل النقاشات الجادة سوءا، إذن نحن بدأنا نناقش نقاشا علميا ولكن فى أدنى مستوياته، لأننا بدأنا نناقش الموضوع وليس كاتب الموضوع، وهنا يكون الانتقاد موجها للتوجه العام للموضوع دون تحديد أين مواضع الخلل فيه بشكل مباشر، فكأنك ترسم دائرة كبيرة على مقال وتقول: هذا مقال «متأسلم» أو «تجارة بالدين»، أو إن المقال من «أوهام العلمانيين المتغربين». هذا توجه عام يمكن أن يكون مرفوضا عند شخص ما، لكن ما الفائدة التى عادت على القارئ أو المستمع ما لم يقدم الرافض أسبابا واضحة للرفض بحيث تكون قابلة للنقاش؟ الطابق الرابع فى هرم الاختلاف هو «المعارضة» (opposition)، وهنا نكون بدأنا فى النقاش الجاد فعلا، فيقدم الكاتب ما يفيد اعتراضه على ما يقرأ أو يسمع مع بعض الأدلة هنا أو هناك بما يثبت وجهة نظره، وقد تكون المعارضة للفكرة المركزية (central point)، أو لقضية هامشية، أو استشهاد يراه المعترض فى غير محله لكن مع الموافقة على الفكرة المركزية. الطابق الخامس فى هرم الاختلاف يتمثل فى تقديم طرح بديل (counterargument)، وبالتالى هو اعتراض واضح على المقولة المركزية ومعها أسباب الرفض، ثم طرح فكرة مغايرة تماما للفكرة الأصلية. والطابق السادس والأخير أن يكون كل ما نكتبه إما عليه دليل أو على الأقل يمكن إثباته (provable)، أو يمكن دحضه (falsifiable)، بالرجوع إلى مصادر معلومات وأفكار أو خبرات دول أو أشخاص آخرين حتى يمكن القياس عليها والاستفادة منها. أزعم أن الكثير من حواراتنا، بالذات التى يكون الدين طرفا فيها، تتحول تلقائيا إلى منطق «الذات الاستنباطية» التى يصبح فيها الشخص وما قرأ أو سمع (مهما كان قليلا) هو المرجعية ومن يخالفه «لا يعترف به». شاب فى العشرينات من عمره قال لى إنه لا يعترف بالشيخ القرضاوى، فسألته عمن يعترف به إذن، قال لى: «العلماء الثقات مثل ابن باز وابن عثيمين وآخرين»، قلت له: «سبحان الله، إن هؤلاء وصفوا الشيخ القرضاوى بأنه (علامة)، وهو وصفهم بأنهم من (أعلام الاجتهاد)»، وصدق قول القائل: «من وسع علمه قل إنكاره»، و«لا إنكار فى مختلف فيه». ولكن فهم هاتين القاعدتين أصلا يحتاج ثورة فكرية. الأمل فى الجيل الجديد، ولكن الجيل الجديد لا يستمع لأهل مالطا. نقلاً عن جريدة "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسالة من مالطا رسالة من مالطا



GMT 10:34 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 10:32 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 10:31 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 10:29 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 10:27 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 10:25 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 10:06 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

المثقف وزرقاء اليمامة وكناري المنجم

GMT 10:04 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تطابق من سبايك لى إلى هانى أبو أسعد!!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 15:56 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 17:41 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميداليتان للجزائر في الدورة المفتوحة للجيدو في دكار

GMT 17:40 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم ليفربول يشعل مواقع التواصل بمبادرة "غريزية" غير مسبوقة

GMT 14:14 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

متزوجة تعتدي على فتاة في مراكش بسبب سائح خليجي

GMT 10:41 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

عروض فرقة الفلامنكو الأندلسية على مسرح دونيم الفرنسي

GMT 16:22 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

جدول أعمال مجلس الحكومة المغربية في 25 كانون الثاني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib