معتز بالله عبد الفتاح
صديقى محمد الميكانيكى كان بحالة مزاجية متعكرة اليوم. «خير يا محمد، زعلان ليه؟»..
رد محمد قائلا: «الصبى بتاعى أرسلته يشترى كتاوت ألمانى، رجع معه كتاوت صينى، رجّعته بها وقلت له عايزها كتاوت ألمانى، ذهب وعاد ومعه موبينا ألمانى. وأنا ما طلبتش موبينا، أنا عايز كتاوت ألمانى، صعبة دى؟».
قلت له: «لأ، هى فى العالم كله غير صعبة، لكن بالنسبة لقطاع من الشعب المصرى الشقيق هذه مسألة ممكن تكون معقدة شوية»!
«معقدة؟! معقدة إزاى؟! قل ورائى: كتاوت ألمانى، كتاوت ألمانى!» ردّ على منفعلا.
طبعا وبحكم الصداقة التاريخية التى تربطنى بصديقى محمد الميكانيكى أبيت إلا أن أضع له الموضوع فى إطاره الفلسفى.
قلت له هذه نظرية «المواطن الأنفوخ» قال لى: يعنى إيه؟ قلت له: «يعنى اللى بيشتغل بنصف نفوخ». أنت تلاحظها فى عالم الميكانيكا من خلال أمور مثل الكتاوت والموبينا، أنا ألاحظها فى عالم السياسة لما تحاول تقنع فصيلين بالاتفاق على أى شىء وبعد ما يتفقوا ويوقعوا، كل واحد يذهب إلى أهله وذويه ويعود رافضا ما وقع عليه وكأنه ولا اتفق ولا وقع. وألاحظها فى عالم الصحافة والإعلام من اجتزاء الكلام. مثلا بالأمس القريب قلت كلاما واضحا عن أن هناك شيئين أنا متأكد منهما بشأن الجمعية التأسيسية أنه أولاً، لو (وخذ بالك من كلمة لو دى علشان عاملة زى الكتاوت الألمانى بتاعتك)، لو خرج دستور من الجمعية التأسيسية سيكون توافقيا وسيكون الأفضل فى تاريخ مصر. تجد أحد الصحفيين يعيد ترتيب الكلام علشان يقول: فلان الفلانى يقول الدستور سيكون توافقيا والأفضل فى تاريخ مصر، فتجد سيلا من المواطنين الأنفوخيين يشتمون فيك على سبيل الاحتياط: لو كنت قلت الكلام ده، يبقى أحسن. ولو لم تكن قلته، عادى هو طلّع جزء من الطاقة السلبية التى داخله. عادى يعنى.
وهنا تجد أن قطاعا من الشعب المصرى الشقيق هو بالفعل أنفوخ يفهم نصف الكلام ويطير منه النصف الثانى.
«طيب يعنى دى حاجة من زمان أم حدثت بعد الثورة؟» سألنى صديقى.
قلت له طبعا أنا مش عايش من زمان وبالتالى لا إجابة عندى من تجربتى الشخصية، لكن لو أخذنا الأعمال الدرامية دليلا علينا ستجد أن المواطن الأنفوخ يعيش بيننا ويظهر فى مراحل معينة من تطور العقل المصرى لكن لا شك أنه موجود. مثلا، هل تتذكر نجيب الريحانى فى فيلم «سى عمر» حين دخل عليه الساحر الهندى المفترض، فهجم عليه نجيب الريحانى بعدة عبارات من قبيل: كومار.. بومباى.. كندهار.. سيخ.. سيخ، فكان المتوقع أن الساحر الهندى سيكشف أمره، ولكن تبين أن الساحر الهندى من النوع الأنفوخ النصاب؛ حيث بدأ الساحر يترجى نجيب الريحانى ألا يفضحه ويكشف ستره. وظل كلاهما يتحدث باللغة الهندية المفترضة وبقية الحضور فى انبهار لهذه الطلاقة التى يتحدث بها الشخصان، وهما يكرران عبارة: «سيخ.. سيخ».
وفى مشهد مشابه، كان محمد فوزى وإسماعيل ياسين يقومان بدور الطبيب ومساعده فى أحد الأفلام، وأثناء تشخيص المرض، قال أحدهما: كركديه آمبيانس شيح شيح، فكان رد الآخر: موغات موغات. وكأن هذا هو تشخيص المرض باتفاق الاثنين.
وهذه كذلك حالة أنفوخية على أعلى مستوى.
وكان التجسيد الأكبر للحالة الأنفوخية فى المسألة المصرية لما دنجل أبوشفتورة أوضح أنه «بيقص الكلا.. الكلام يعنى». أهو إحنا عندنا نسبة لا بأس بها بتقص «الكلا.. » أثناء الفهم والنقل والكلام.
قال: «تصدق والله، يا عزيزى كلنا أنافيخ، بس أعمل إيه مع الولد الصبى؟».
«ولا تزعل نفسك، قل له: موغات موغات، واشرح له نظرية المواطن الأنفوخ يمكن يفهم»
نقلاً عن جريدة "الوطن"