معتز بالله عبد الفتاح
حين يعيش مجموعة من الأفراد من خلفيات دينية أو عرقية مختلفة ولا يعرفون ما يكفى من معلومات موثقة عن بعضهم البعض، فتنطبق عليهم مقولة: «الإنسان عدو ما يجهل». ويبدأ مع المعرفة التعرف والتعارف مصداقاً لقول الحق سبحانه: «وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا».
وأفترض أن الكثير من المسلمين لا يعرفون كثيراً عن شركائهم فى الوطن من المسيحيين أو النصارى باللفظ القرآنى والذين قال القرآن فيهم: «ولتجدنَّ أقربَهم مودةً للذين آمنوا الذين قالوا إنَّا نصارى، ذلك بأنَّ منهم قسِّيسين ورهبانًا وأنهم لا يستكبرون». إذن فلنتخذ انتخابات البابا 118 للكنيسة الأرثوذكسية فرصة لنتعرف أكثر على شركائنا فى الوطن. أولاً عند المسيحيين الأرثوذكس (وهم أغلب المصريين) والكاثوليك (وهم الأكثر فى العالم ولكنهم أقلية فى مصر) توجد تراتبية أو رتب هرمية لرجال الكنيسة (أو ما يسمى بالإكليروس). وللتشبيه، مع الفارق، كما يوجد فى القوات المسلحة رتب من المشير، ثم فريق أول، ثم فريق، ثم لواء، وصولاً إلى ملازم، رتب مختلفة فى الكنيسة. ويمكن تخيلها كثلاث مراتب داخل ثلاث فئات. المرتبة الأولى هى مرتبة الأساقفة ويليها القساوسة ويليها الشماسين. والأساقفة أنفسهم داخلهم ثلاث رتب أعلاها هو البابا البطريرك ورئيس جميع المطارنة والأساقفة وصاحب أعلى درجة كهنوتية بالكنيسة، وكلمة بطريرك معناها كبير أو رئيس الآباء.
ويليه المطران، والذى عادة ما يطلق عليه لفظة (الأنبا): وهو رئيس قساوسة وقمامصة الكنائس الواقعة داخل إقليم كبير (مدن كبرى وعواصم)، وكلمة مطران مشتقة من الكلمة اليونانية (متروبوليتيس).
ويليه الأسقف وهو رئيس قساوسة وقمامصة الكنائس الواقعة داخل إقليم صغير (مدن صغيرة وقرى). فكأن الفارق بين المطران والأسقف هو مساحة الإقليم الذى تغطيه الكنيسة التى هو على قمتها.
وتأتى الفئة الثانية من القساوسة (ولها كذلك تراتبية مثل القس والقمص والخورى). وكل هؤلاء هم من كهنة الكنيسة. وتأتى الفئة الثالثة من الشمامسة وهم خدمة الكنيسة ممن يقومون بمعاونة الكاهن فى أداء الخدمات الدينية والصلوات الكنسية.
ثانياً، لماذا يطلق على بابا الكنيسة لقب «بطريرك الكرازة المرقسية»؟
بابا الإسكندرية هو رئيس رؤساء أساقفة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية. كلمة كرازة تعنى «تبشير» و«المرقسية» تشير إلى مارمرقس أو مرقص وهو كاتب السفر الثانى من العهد الجديد إنجيل مرقس ولذلك يلقب بالإنجيلى. ويُعتبر، بحسب التقليد الكنسى الإسكندرى، البطريرك الأول، ويتم الآن انتخاب البطريرك رقم 118.
ويقال إن ليبيا كانت أول موطن للدعوة المسيحية فى القارة الأفريقية، على يد القديس مرقص القادم من صحبة المسيح عبر اليونان، ثم انطلق ليضع اللبنة الأولى للأرثوذكسية فى مصر، لكنه سريعاً ما عاد إلى ليبيا ثانية بعدما لفظته الفرعونية الوثنية فى مصر، ولعدم معرفته بلغتهم. سُرق جسد القديس مارمرقس الرسول من الإسكندرية وذهبوا به إلى إيطاليا. لكن استعادت الكنيسة القبطية جسده عام 1968 فى أيام البابا كيرلس السادس واحتفل الأقباط بإقامة الصلاة على مذبح الكاتدرائية المرقسية، وفى نهاية القداس حمل البابا كيرلس السادس رفات القديس مارمرقس إلى حيث أودع فى مزاره الحالى.
لذا فإن نسبة بابا الكنيسة الأرثوذسكية لكرازة مارمرقس هو للتأكيد على أن الكنيسة القبطية هى امتداد للتبشير الذى بدأه مرقس الرسول فى مطلع القرن الأول الميلادى. ورغم أن المقر البطريركى تم نقله من الإسكندرية للقاهرة فإن اللقب ما زال يُستعمل للدلالة على أن التبشير بالمسيحية فى مصر بدأ من الإسكندرية.
ثالثاً، يتم انتخاب البابا الحالى وفقاً للائحة وضعت فى عام 1957 وتشترط أن يكون البابا من الأساقفة أو المطارنة من الرهبان المتبتلين ولا يقل عمره عن أربعين عاماً. وبعد انتخاب ثلاثة أسماء سيتم عمل قرعة هيكلية يسحب بموجبها طفل صغير ورقة مكتوباً عليها أسماء أول ثلاثة مرشحين فى ترتيب الأصوات كنوع من التفويض المباشر لاختيار البابا البطريرك للرب.
إذن الموضوع كبير.. الموضوع كبييير..
نقلاً عن جريدة "الوطن"