رحم الله من عرف قدر نفسه

رحم الله من عرف قدر نفسه

المغرب اليوم -

رحم الله من عرف قدر نفسه

مصر اليوم

سأبدأ بقصتين.. بلغ الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز أن ابنه اشترى خاتماً بألف درهم، فأرسل له خطاباً قال فيه: «إذا جاءك خطابى هذا فبع الخاتم وأطعم بثمنه ألف فقير، واشتر خاتماً من حديد واكتب عليه: رحم الله امرأً عرف قدر نفسه». وقد جاء شاب محدود القدرات ولا يخلو من غطرسة إلى وينستون تشرشل وقد كان رئيساً لحزب المحافظين، فوجه له انتقادات حادة وأعلن بوضوح أنه قرر أن يصبح فى يوم من الأيام رئيساً لوزراء بريطانيا، فسأله تشرشل عدة أسئلة أثبتت بتفصيلاتها أن الشاب يجيد القدرة على الحلم وانتقاد الآخرين ولا يجيد القدرة على العمل وانتقاد الذات، فقال تشرشل مقولة شائعة فى السخرية من محدودى الموهبة، رغما عن أن الكثيرين لا يعلمون أصلها، وهو «إنه شاب متواضع، ولديه الكثير من الأسباب لكى يكون أكثر تواضعاً». ودلالة القصتين تأتى من تحليل طرق عمل العقل البشرى وكيف أن العقل يمكن أن يشقى صاحبه حين لا يعرف قدر نفسه فتكون الفجوة هائلة بين طموحه (وربما طمعه) وإمكاناته (وربما ما يتصورها إمكاناته). ولكن هذه الفجوة نفسها لها درجات، وهى فى أكثر درجاتها اتساعاً تجعل الإنسان يظن فى نفسه أنه المهدى المنتظر مثلاً، بل إن الحروب المهدية فى السودان فى ثمانينيات القرن التاسع عشر نفسها بدأت بحلم الشيخ محمد أحمد الذى ظن فى نفسه المهدى. والحلم، أو الرؤية، التى جاءته فى المنام، على ما يقول المؤرخون، أنه سيكون المهدى المنتظر الذى سيملأ الكون عدلاً وخيراً بدءًا من «البقعة المباركة» كما كان يصفها وهى «أم درمان». وفجأة صعدت روحه إلى السماء بعد أربعة أعوام فقط من «الحلم» وسط دهشة أنصاره المجاهدين وعامتهم من الذين ينتظرون إتمام باقى الحلم المهدوى: صلاته فى مكة والقدس واسطنبول، وأن يملكوا الدنيا ويخضعوا جميع الأمم ويشيع المهدى العدل، ويحثو المال حثوا ويقيم الدين الحق بأن يعيد الدنيا إلى الآخرة كما بشرته الحضرة. ومات الرجل، وظل الحلم حلماً. هل نخطئ حين نحلم ونتمنى؟ الإجابة يقيناً: لا. ولكن الملاحظ أن قدرة البعض على الحلم تكون أعلى من قدرتهم على الفعل؛ لذا فلنتأكد من أن أحلامنا ليست سبباً لشقائنا وشقاء المحيطين بنا ممن ننال من حقوقهم ونحن نظن أننا نحسن صنعاً، ولنجتهد أضعاف أحلامنا، ولنتقبل ضربات القدر بعقل وقلب المؤمن أن للكون خالقاً هو صاحبه والمدبر لأمره والبشر ضيوفه وليسوا «أصحاب بيت». يصادف فى نفسى هوى بعض الشعر الصوفى من قبيل: «يا ربنا ليس لنا من أمرنا إلا السكوت، يا ليتنا نرضى بما يعطَى لنا حتى نموت، والمبتلى يا ذا العلى لا يبتغى إلا النجاة، فى يسرها وعسرها ملعونة تلك الحياة، نبيّنا إمامنا به نقتدى وبه نهتدى ورضاه من رضا الإله». وكذا قول أحد القساوسة: «نرضى بالمر الذى يختاره الله لنا أكثر من حبنا للحلو الذى نختاره بأنفسنا». وقال القرآن العظيم: «سيجعل الله بعد عسر يسراً» وهذا حالنا بإذن الله. أياً ما كان، فالتوازن مطلوب. ومن التوازن ألا نظن فى أى شخص يحسن الكلام أنه سيحسن بالضرورة النهوض بالتبعة، وألا يقع المرء فريسة سهلة لما يقوله الآخرون عنه سواء مدحاً أو قدحاً، فأغلب الناس إن يظنون إلا ظناً وما هم بمستيقنين. ويضاف لكل ذلك ألا نسمح لأنفسنا أن نجعل من وطننا رهينة لتحقيق طموحاتنا الشخصية. إذن: «رحم الله امرأ عرف قدر نفسه».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رحم الله من عرف قدر نفسه رحم الله من عرف قدر نفسه



GMT 10:34 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 10:32 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 10:31 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 10:29 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 10:27 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 10:25 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 10:06 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

المثقف وزرقاء اليمامة وكناري المنجم

GMT 10:04 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تطابق من سبايك لى إلى هانى أبو أسعد!!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 03:18 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق
المغرب اليوم - أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق

GMT 06:44 2024 الأحد ,04 شباط / فبراير

توقعات الأبراج اليوم الأحد 04 فبراير / شباط 2024

GMT 12:48 2021 الأحد ,05 كانون الأول / ديسمبر

المنتخب المغربي يتلقي حصة تدريبية خفيفة بعد هزم الأردن

GMT 04:10 2021 الجمعة ,14 أيار / مايو

الروسي حبيب نورمحمدوف يوجه رسالة للمسلمين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib