معتز بالله عبد الفتاح
جمعنى لقاء مع شباب من جامعات مختلفة، بالأمس، ووجدتنى ألجأ لمقال قديم يروى فيه الأستاذ خالد محمد السيد فى صفحته على الـ«فيس بوك» عن تجربة خاضها يقول فيها:
«اشتريت ببضعة جنيهات أكياس بلاستيك ووزعتها على عربة القطار اللى ركبت فيها، وقلت للناس بأسلوب بسيط: تيجو نرمى أى بواقى أكل أو شرب طول السفر فى الأكياس دى ونرميها أول ما ننزل فى صندوق الزبالة..
اللى استغرب، واللى بص لى قوى، وست بسيطة كبيرة فى السن: انت تبع الناس اللى بتيجى على الدش. أنا: لا يا حاجة، أنا تبعك، إنتى أحسن من مية واحد من اللى قصدك عليهم.. ابتسمت ودعت دعوتين من اللى يحبهم قلبك.
فى محطة بنى سويف ركب مجموعة من الشباب وأنا حاطط الـ«هاند فرى» ولقيت راجل جايلى: يا أستاذ، يا أستاذ، إدى الشباب دول كيس عشان يرموا فيه قشر اللب بدل ما يوسخوا العربية. ابتسمت وقلت له: اتفضل. قبل محطة رمسيس بنص ساعة كده قمت اتمشيت فى العربية، فرحت جداً لما لقيت الاستجابة أكثر من 90% وكله رابط الأكياس فى الكراسى وبيحط فيها البواقى، كل ده من دقيقة كلام وبـ5 جنيه أكياس.
على فكرة.. أنا كنت راكب قطر عادى والمسمى بالمميز، قطر البسطاء وعامة الشعب».
لا أملك إلا الشكر والتقدير لخالد. وأقول لمن هم مثله: هذا وطنكم، افعلوا فيه ما شئتم. تريدونه خيراً فخير، أو تريدونه شراً فشر. مستقبل مصر بأيديكم ومتوقف فى جانب كبير منه على القرارات الفردية الكثيرة التى يتخذها آحاد الناس.
قلت فى هذا المكان من قبل إنه لا منطق عندى لمن يدّعى أنه يريد إصلاح «مصر» أو خدمة «مصر» وإنما أظن أن الأوفق هو أن نخدم ما يقع فى إطار تأثيرنا من «مصر». مصر بالنسبة لأغلبنا لا تزيد على مائة متر مربع تقع فى محيط السكن الذى نعيش فيه أو المسجد أو الكنيسة التى نصلى فيها أو الطريق أو وسيلة المواصلات التى نعتادها. كيف يكون أمام المسجد أو الكنيسة هذا الكم من القمامة والناس يدخلون ويخرجون وكأن القمامة لا تتناقض مع صحيح العبادة.
توقّف عن التفكير فى خدمة مصر لليلة واحدة، وقرّر وحدك أو مع أحد أصدقائك أن تنظف أمام بيتك أو أمام المسجد أو الكنيسة أو أن تفعل مثلما فعل خالد. فكّر فى مكان عملك أن تعين ملهوفاً ذا حاجة وتكون هذه هى خدمتك لمصر، فكِّر فى أن تأخذ دراستك بجدية أكبر ولو ليوم واحد فى الأسبوع، وتكون هذه هى خدمتك لمصر، فكِّر فى ألا تبخل على مصر بجهدك بخدمة مَن وما يقع فى المائة متر المربعة المحيطة بك.
لا تضيِّع وقتك كثيراً فى تدمير الآخرين، اسعَ لبناء نفسك وبلدك، واجعل خدمتك لها بعيداً عن سب وقذف الآخرين، لأن هذا لن يخدم البلد فى شىء.
عدو مصر والمصريين ليس مصرياً آخر، وإنما أعداء مصر الحقيقيون هم الجهل والفقر والمرض والتعصب والظلم والفساد والإنجاب بلا حساب. وأى جهد يأخذنا بعيداً عن الحرب على هذه السباعية المقيتة هو جهد فى خدمة أعداء مصر، ولن يصب أبداً فى مصلحتها أو مصلحة مواطنيها.
«فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِى إِلَى اللهِ إِنَّ اللهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ». صدق الله العظيم.