الواقع الكذاب

الواقع الكذاب

المغرب اليوم -

الواقع الكذاب

معتز بالله عبد الفتاح

ما نراه فى الواقع ليس دائماً هو الحقيقة..

حتى ما نراه رأى العين ونلمسه لمس اليد..

فنحن نرى الشمس بأعيننا تدور كل يوم حول الأرض، ومع ذلك فالحقيقة أن العكس هو الصحيح، والأرض هى التى تدور حول الشمس.

ونحن نرى القمر فى السماء أكبر الكواكب حجماً، مع أنه أصغرها حجماً.

ونحن نلمس الحديد، فنشعر بأنه صلب متدامج، مع أنه فى الحقيقة عبارة عن ذرات منثورة فى فراغ مخلخل، وبين الذرة والذرة ما بين نجوم السماء بعداً.. وما يخيل لنا باللمس أنه صلابة وتدامج هو فى الحقيقة قوى الجذب المغناطيسى الكهربائى بين الذرة والذرة.. نحن نلمس القوانين بأصابعنا وليس الحديد.

ونحن ننظر إلى السماء على أنها فوق، والأرض على أنها تحت، مع أنه لا يوجد فوق ولا تحت.. والسماء تحيط بالأرض من كل جوانبها.

والهرم بالنسبة لنا شىء لا يمكن اختراقه، مع أنه بالنسبة للأشعة الكونية شفاف كلوح الزجاج، ترى من خلاله وتنفذ من خلاله.

وصقيع القطبين الذى نظن أنه غاية فى البرودة هو بالنسبة لبرودة أعماق الفضاء جحيم ملتهب.

وفى الحقائق الإنسانية تكذب علينا العين واللسان والأذن أكثر وأكثر.. فالقبلة التى تصورناها فى البداية مشروع حب نكتشف فى النهاية أنها كانت مشروع سرقة.

وجريمة القتل التى أحس الجميع بأنها ذروة الكراهية يكتشف الجميع أنها ذروة الحب.

وما قد يبدو للزوج أنه خيانة من زوجته لفرط إحساسها بجمالها قد يكون الدافع الحقيقى له هو إحساس الزوجة بقبحها وشعورها بالنقص، تحاول الخلاص منه باستدراج إعجاب الرجال، والانتقال من خيانة إلى أخرى.

وما تكتب عنه الجرائد بالإجماع على أنه بطولة قد يعلم البطل نفسه أنه كان انتحاراً.

وفى الحقائق الاجتماعية تتعقد الأمور أكثر، ويغرق الحق فى شبكة من التزييف تشترك فيها كل الإرادات، ويصبح الحكم على الأمور بظاهرها سذاجة لا حد لها.

وفى الحقائق التاريخية يكتب المؤرخون فى كل عصر ومن ورائهم السلطة، وتكتب أقلامهم ما يريد الأقوياء أن يقولوا.

وما أصعب الوصول إلى الحقيقة..

إن الوصول إلى المريخ أسهل من الوصول إلى حقيقة أكيدة عن حياة وردة تتفتح كل يوم عند نافذتك.. بل إن الوصول إلى أبعد نجم فى متاهات الفضاء أسهل من الوصول إلى حقيقة ما يهمس فى قلب امرأة على بعد شبر منك.

بل إن عقولنا تزين علينا حتى عواطفنا نفسها، فنظن أن حب المجد يدفعنا والحقيقة أنه الغرور وحب الذات.. ونظن أن العدالة هى التى تدفعنا إلى القسوة، فى حين أن الذى يدفعنا هو الحسد والحقد.

من الذى يستطيع أن يقول.. لقد أدركت الحقيقة؟

من الذى يجرؤ أن يدعى أنه عرف نفسه؟

ليس من باب التواضع أن نقول.. الله أعلم.

وإنما هى الحقيقة الوحيدة الأكيدة فى الدنيا.. إننا نجهل كل الجهل حتى ما يجرى تحت أسماعنا وأبصارنا.

وبرغم جهلنا يتعصب كل فريق لرأى.. وقد تصور كل واحد أنه امتلك الحق، فراح ينصب المشانق والمحارق للآخرين.

ولو أدركنا جهلنا وقدرنا لانفتح باب الرحمة والحب فى قلوبنا، ولأصبحت الحياة على الأرض جديرة بأن نحياها.

متى نعرف أننا لا نعرف؟

مقال للمرحوم الدكتور مصطفى محمود كتبه عنا منذ 25 سنة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الواقع الكذاب الواقع الكذاب



GMT 10:34 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

بجعة سوداء

GMT 10:32 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تركيا في الامتحان السوري... كقوة اعتدال

GMT 10:31 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تنظير في الاقتصاد بلا نتائج!

GMT 10:29 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

لبنان... إلى أين؟

GMT 10:27 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

جنبلاط والشرع وجروح الأسدين

GMT 10:25 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

عن «شاهبندر الإخوان»... يوسف ندا

GMT 10:06 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

المثقف وزرقاء اليمامة وكناري المنجم

GMT 10:04 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

تطابق من سبايك لى إلى هانى أبو أسعد!!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

عمان - المغرب اليوم

GMT 15:56 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024
المغرب اليوم - الوجهات السياحية المفضلة للشباب خلال عام 2024

GMT 03:18 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق
المغرب اليوم - أحمد السقا يكشف موقفه من تمثيل ابنته ومفاجأة عن ولاد رزق

GMT 17:41 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

لا تتردّد في التعبير عن رأيك الصريح مهما يكن الثمن

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 16:23 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

يحاول أحد الزملاء أن يوقعك في مؤامرة خطيرة

GMT 18:27 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

ميداليتان للجزائر في الدورة المفتوحة للجيدو في دكار

GMT 17:40 2019 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

نجم ليفربول يشعل مواقع التواصل بمبادرة "غريزية" غير مسبوقة

GMT 14:14 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

متزوجة تعتدي على فتاة في مراكش بسبب سائح خليجي

GMT 10:41 2018 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

عروض فرقة الفلامنكو الأندلسية على مسرح دونيم الفرنسي

GMT 16:22 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

جدول أعمال مجلس الحكومة المغربية في 25 كانون الثاني
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib