استخدمت جريدة «الوطن» هذا العنوان بالأمس، وأظنه عنواناً يعبر عن حالة أستشعرها حين أتحدث مع بعض المنتسبين لمؤسسة الرئاسة.
أعرف حجم المجهود الذى يبذله المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء، وبعض زملائه، وهو جهد مخلص ودؤوب، ولكنه فى كثير من الأحيان، مثل صب الماء خارج الكأس، أو مثل القذف خارج الرحم. ذلك أن بعض الوزراء والمحافظين والمسئولين يضيعون المجهود المخلص الذى يبذله زملاؤهم.
حين أشرح لطلابى معنى كلمة «رؤية» أو «vision»، فعادة ما أطلب منهم أن يتأكدوا أن الرؤية تجيب عن أربعة أسئلة:
أولاً: أين نحن الآن؟ وثانياً: إلى أين نريد أن نذهب؟ وثالثاً: كيف نصل إلى هناك ومتى وبأى تكلفة وبأى خطوات؟ رابعاً: كيف نتأكد أننا وصلنا إلى النهاية الصحيحة؟
بعبارة أخرى، تقدير موقف للوضع الراهن، ثم تحديد هدف نريد أن نصل إليه، ثم تحديد استراتيجية بما فيها من خطوات عملية للوصول إلى الهدف، ثم تقييم أدائنا ومدى نجاحنا فى تحقيق هدفنا فى أسرع وقت، بأقل تكلفة.
لو كل وزير، أو محافظ، أو رئيس شركة كبرى، أو مدير جهة ما عنده تصور ما للإجابة عن هذه الأسئلة الأربعة، إذن سيكون فيه أمل.
رجب طيب أردوغان، على كل خلافنا مع الموقف الصبيانى الذى يتخذه من ثورة «30 يونيو»، قال شيئاً من هذا فى أول أسبوعين من حكمه، وتناقلت وسائل الإعلام التركية أنه منح كل وزير فى حكومته أسبوعين كى يجيب عن الأسئلة الأربعة المشار إليها. واعتبر أن من لا يعرف كيف يجيب عن هذه الأسئلة، فلا مكان له فى الحكومة.
أقف هنا، لأنى قاعد، وأقول بصوت عالٍ: أى والله، أى والله.
ثم أجلس لأكمل كتابة المقالة.
مين فى الحكومة المصرية عمل التمرين العقلى ده؟
(ضحكة رقيعة، ثم نكمل).
والمطلوب بعد أن يجيب عن هذه الأسئلة أن يجعل من هذه الإجابات معلنة ومعروفة لبقية زملائه فى مكان عمله، لأنهم إما شركاء فى النجاح فى تحقيق الأهداف، أو هم أعداء يستهدفون بقاء الوضع الراهن.
غضب الرئيس من الحكومة، هو غضب الآمل فى أداء أفضل. وهو يقدر بشكل شخصى المهندس إبراهيم محلب لجهده وإخلاصه، ولكنّ كثيراً من الملفات معلقة. والكلام كثير والفعل قليل.
عندى عدة اقتراحات قد تفيد.
أولاً: تعيين وزير دولة لشئون مجلس الوزراء والمتابعة، ليقوم بمهام رئيس الوزراء الذى يقوم بجولات ميدانية كثيرة ومرهقة، أثناء وجوده خارج المجلس. يفضل فى هذا الشخص أن يكون وزيراً سابقاً له إلمام كاف بدولاب العمل الحكومى. هذا المنصب مهم للغاية حتى لا يتوقف العمل الحكومى، لأن رئيس الوزراء يزور محافظة أو يتفقد مشروعاً.
ثانياً: أن يخرج المسئولون على الرأى العام بشكل منتظم، وليكن أسبوعياً، فى مؤتمر صحفى عام، أو برنامج مفتوح، للإجابة عن أسئلة الناس. أعلم أن هناك جهداً يبذل، ولكن تسويقه والحديث عنه ضعيف بما يعطى الانطباع بغيابه. أبلغنى السيد رئيس الوزراء بعد أن عملت معه حواراً تليفزيونياً أذيع على التليفزيون المصرى أن الرئيس شاهد الحوار وأثنى عليه، وقال له: «يا أفندم اخرجوا كلموا الناس، اعملوا برامج زى كده». وأعتقد أن الموضوع توقف عند المشاهدة والثناء والمناشدة.
ثالثاً: أقترح على رئيس الوزراء تشكيل مجموعة عمل تلتقى به أسبوعياً حول الأفكار الجديدة، لأن الحكومة غارقة فى بحيرة من البيروقراطية التى لا تسمح بأى أفكار جديدة لأن تصل لها. وكم أصحاب الأفكار الجديدة التى تصادفنى أنا شخصياً تؤكد أننا لا نستفيد من كافة عقول أبنائنا على النحو الأمثل.
رابعاً: اشتغلوا على البشر، عقولهم وأفكارهم وقيمهم ونظرتهم لدورهم فى المجتمع، مثلما تشتغلون على الحجر، كبارى وأنفاق وشقق ومدن جديدة.
وكما قال عم محمود بتاع الفجل: إحنا اللى بنعمل الفلوس مش الفلوس اللى بتعملنا.
وكما قالت أم مصطفى بتاعة البليلة: «من خفّ عقله، تعبت رجليه».
تحيا مصر، تحيا الجمهورية.