إعلامنا لا يليق بنا ونحن نستحقه

إعلامنا لا يليق بنا ونحن نستحقه

المغرب اليوم -

إعلامنا لا يليق بنا ونحن نستحقه

معتز بالله عبد الفتاح

أوتوبيس «التخلفساد»، وهى كلمة تجمع بين «التخلف» و«الفساد»، تحرك ووصل إلى غايته وضرب فى معظم جوانب حياتنا. أشاهد الرئيس يشكو وينتقد، وأجلس مع قائمين على الإعلام يدافعون ويرفضون نقد الرئيس لهم. ويقولون: ماذا نفعل؟

قلت أكتب لهم هذه المقالة عسى أن توضح لهم جانباً واحداً مما أغفلوه، فأضاعوه، فضيعونا معهم.

ما نوعية القيم التى يبثها الإعلام المصرى: البلطجة والمخدرات والخيانة ونكران الجميل والجحود والبحث عن المكسب المالى قصير المدى على حساب أى قيم أو أخلاقيات. واختبروا مسلسلات رمضان المقبل، ستجدون إبداعاً فى التفاهة والعرى والألفاظ والملابس القصيرة والضيقة والرقص البلدى والإفرنجى وقلة الحياء فى الشكل والإشارة والكلام.

وحتى حين تقوم الشركات الكبرى، بما فيها شركات التليفونات المحمولة، بعمل حملات للدعاية لنفسها، فهى تتأكد تماماً أنها لن تفعل أى شىء يؤدى إلى نهضة هذا البلد: التسلية والدعاية ثم الدعاية والتسلية. الحملة الإعلانية قائمة على «مغنى» أو ممثل أو عدة مغنين أو عدة ممثلين. الإعلان فى النهاية لا يضيف لك شيئاً، على أقصى تقدير يجعلك تبتسم ولكنك لن تكون إنساناً أفضل، وبالتالى المجتمع لن يكون أفضل.

وحتى لا أبدو مثالياً، تعالوا نستعرض ثلاثة إعلانات أو أفلام قصيرة جداً أذيعت فى كوريا الجنوبية وتايوان والولايات المتحدة. كلها موجودة على النت.

الفيلم الأول يهدف إلى تأكيد علاقة الأب بابنته، كل أب مع كل أولاده.

يبدأ الفيلم بطفلة تسير مع أبيها فى الطريق، وهو يقرأ رسالة هى كتبتها عنه، والفيديو يضع أثناء قراءتها للرسالة بصوتها مشاهد مختلفة فيها الرجل يجتهد فى عمله، يرتدى أفضل ملابسه، يلعب معها، وهى تضحك فى سعادة. وأثناء هذه المشاهد البنت تقول:

أبى هو أرق أب فى العالم، أبى هو الأكثر وسامة، أبى هو الأذكى فى العالم، أبى هو الأكثر براعة، أبى هو الأكثر لطفاً. هو بطلى (سوبر مان)، أبى يريد منى أن أكون أحسن فى المدرسة. ولكن أبى يكذب.. وهنا يتوقف الأب عن السير مع ابنته ويبدو مندهشاً أن ابنته بعد أن تقول كل هذا الكلام الرائع عنه تقول «إنه يكذب».

تسترسل البنت فى توضيح لماذا هى تعتقد أنه يكذب. تقول البنت: إنه يكذب بشأن أن عنده عمل (ويأتى المشهد أنه يقدم على وظيفة ولا يجد)، وأنه يملك المال (ويأتى المشهد بأنه يعمل حمالاً بثياب مبهدلة)، يكذب بأنه غير تعبان أو مجهد (ويأتى المشهد وهو مجهد أقصى إجهاد ولكنه يبتسم فى وجه ابنته ثم يحملها كى يسعدها)، ويكذب بأنه غير جائع (ويأتى المشهد أنه يعطيها طعامه مع يقينها أنه جائع لكنها هى أولى)، يكذب بأننا نملك كل شىء (وهو يسير حيران بلا عمل أو مال)، ويكذب بشأن سعادته (ويأتى المشهد وهو فى حالة ضيق شديد)، هو يكذب بسببى أنا. وتنساب المشاهد بين تعبه واجتهاده وحضنه لها وسعادته بها ورغبته فى إسعادها ودموع عينه لعجزه أن يوفيها حقها.

الفيلم عبقرى، مكتوب بمهارة، والطفلة صادقة، والأب محب لابنته.

يختتم الفيلم الذى لا تزيد مدته على ثلاث دقائق ونصف، بعبارة: أطفالنا يستحقون منا كل التضحية.

شاهدت الفيلم عشرات المرات، وفى كل مرة لا أملك أن أحبس دموعى.

وفى كل مرة أسأل: لماذا تضيع منا هذه القيم، لماذا ننام فى النور ويستيقظ غيرنا فى ظلام؟ من يظلم علينا حياتنا بتسلية منزوعة القيم؟

عنوان الفيلم على اليوتيوب: https: //www.youtube.com/watch?v=aF4xMPuAKSI

فيلم آخر يتحدث عن قيمة الإحسان.

يبدأ الفيلم القصير جداً بامرأة صيدلانية تعنف طفلاً صغيراً لأنه حاول أن يسرق دواء منها، فيجد صاحب مطعم الطفل يبكى، فيذهب إليه، ويدفع للصيدلانية النقود مقابل الدواء ويعطى للطفل بعضاً من الطعام، ابنة صاحب المطعم تبدو رافضة أو على الأقل غير مستريحة لسلوك والدها الذى يعطف على طفل ضال رث الثياب. ينظر الطفل بأسى وبعيون حائرة للرجل الذى يعطف عليه دون أن يعرفه، ثم يأخذ الطعام والدواء ويجرى.

بعد لحظات ينزل على الشاشة عبارة «وبعد 30 سنة». تتحرك الكاميرا للرجل صاحب المطعم بعد أن يصبح هو وابنته أكبر عمراً. فجأة والرجل فى محل عمله، يقع على الأرض مغشياً عليه، ثم تنتقل الكاميرا إلى المستشفى وهو على سريره، حتى يتم علاجه لا بد أن يدفع فاتورة بمبلغ ضخم. ابنته تنظر إلى الفاتورة حائرة لا تعرف ماذا تفعل.

بعد ثوان ترفع رأسها لتجد ورقة مكتوباً عليها: تم تسديد الحساب من 30 سنة بثلاث علب من المسكنات وشنطة طعام. توقيع: الدكتور فلان الفلانى، وهو نفس الطفل الذى تلقى المساعدة من والدها منذ سنوات. الرجل زرع الإحسان فوجده، ولو بعد حين. أثناء ذلك، الكاميرا تستعيد مشهد الطفل الحائر وكل لحظات الأسى لضيق ذات اليد مع موسيقى هادئة رائعة تحرك فى نفسك المشاعر والإحساس بأن «من يفعل خيراً يُجزَ به». ثم يختتم الفيلم القصير بعبارة: «العطاء هو أفضل وسيلة للتواصل مع الآخرين». ولو كان الفيلم من إنتاج ثقافتنا لقلت: «هل جزاء الإحسان إلا الإحسان؟».

هذا هو موقع الفيلم على اليوتيوب: https: //www.youtube.com/watch?v=Tma9FwW8LgA

أعطى مثالاً بفيلم ثالث عن واجبنا بأن نساعد بعضنا البعض أو ما يسميه أهل العلم «رأس المال الاجتماعى».

يبدأ بطفل يقع من على الدراجة، فيساعده شخص حتى يقف على قدميه ثم يبتسم الاثنان، فيجد الطفل امرأة عجوزاً تريد أن تعبر الشارع، فيساعدها ثم يبتسم الاثنان، وبعد أن تعبر الشارع تجد امرأة يبدو عليها الثراء تبحث فى شنطتها عن نقود معدنية لتدفع ثمن ركن سيارتها، فتعطيها السيدة العجوز مما معها نقوداً، ثم تبتسم الاثنتان، فتجد السيدة التى كانت تحتاج النقود المعدنية شاباً يرتدى زياً غالى الثمن وقد وقعت من جيبه ورقة، فتتعجل الذهاب إليه كى تلفت نظره لما وقع منه، فيشكرها ثم يبتسم الاثنان، ثم يجد الشاب عاملاً يحمل حملاً ثقيلاً فيعينه عليه، ثم يبتسم الاثنان، ثم يجد العامل شخصاً يتسول الطعام، فيشترى له طعاماً، فيشكره ويبتسم الاثنان، ثم يجد المتسول شابة صغيرة وقد نسيت تليفونها وبدأت تتحرك، فيجرى إليها ليعطيها تليفونها، فتشكره ويبتسم الاثنان، ثم تجد الشابة امرأة عجوزاً تجلس وحيدة باكية فى مطعم، فتشترى لها ورداً ثم تعطيه لها، فتشكرها، وتبتسم الاثنتان، ثم تترك المرأة الوحيدة مقابلاً كبيراً كبقشيش للعاملة فى المطعم الذى كانت فيه، فتشكرها وتبتسم الاثنتان، ثم تتحرك عاملة المطعم بسرعة ومعها كوب من الماء فى اتجاه نفس الشخص الذى كان يساعد الطفل الذى وقع من الدراجة.

اسم الفيلم «life vest» أو طوق النجاة. ومكانه على اليوتيوب: https: //www.youtube.com/watch?v=Fb7w2Mbce6M

موسيقى الفيلم تحفة، والفيلم مصور بكاميرا واحدة، وينطق بكل أسمى معانى الإنسانية.

عندى ثلاثة أسئلة:

سؤالى إلى القائمين على الإعلام المصرى، وبالذات أعضاء غرفة صناعة الإعلام: هتعملوا إيه بقى؟

الإجابة: التطنيييييييييييييييييييييييش.

سؤالى إلى السيد رئيس الجمهورية: هل هتجمع القائمين على الإعلام وتقول لهم «هو ده اللى أنا عايزه» من الإعلام؟

الإجابة: التطنيييييييييييييييييييييييش.

سؤالى إلى المشاهدين والقراء الكرام: هل هتطالبوا فى مداخلاتكم التليفونية وتعليقاتكم التويتارية أو الفيس بوكية أن يأخذ الإعلام هذه النوعية من الأفلام فى الاعتبار؟

الإجابة: التطنيييييييييييييييييييييييش.

وعشان أنا عارف كده عنكم، مش متوقع منكم حاجة أصلاً. أنا بأكتب وبأتكلم عشان لما ربنا يسألنى أقول له: «نصحت لهم، ولكنهم لا يحبون الناصحين».

صباحكم جميل ورائع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إعلامنا لا يليق بنا ونحن نستحقه إعلامنا لا يليق بنا ونحن نستحقه



GMT 06:10 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الجزائري خارج الجزائر

GMT 06:07 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

الرئيس الجديد... أي أميركا ننتظر؟

GMT 05:06 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

نصيحة السيستاني الذهبية

GMT 05:04 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب غزة في حفرة الأرنب

GMT 05:01 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

خنادق الآيديولوجيا وأقفاصها

GMT 04:35 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تتهدّد الحربُ الأهليّة لبنان؟

GMT 04:33 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

منطقتنا واليوم التالي

GMT 04:30 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب الساعات الأربع!

نجوى كرم بإطلالات استثنائية وتنسيقات مبهرة في "Arabs Got Talent"

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 08:38 2024 الخميس ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها
المغرب اليوم - ميلانيا ترامب تظهر بإطلالة بارزة ليلة فوز زوجها

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 14:06 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

حمية مستوحاة من الصيام تدعم وظائف الكلى وصحتها

GMT 06:17 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

البدلة النسائية الخيار الأمثل لإبراز شخصيتك وأناقتك

GMT 06:27 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أجمل إطلالات نجوى كرم باللون الزهري بدرجاته المختلفة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib