معتز بالله عبد الفتاح
أكتب هذا الكلام بعد عدة جلسات من نقاش محتدم فى العاصمة الهندية نيودلهى عما يحدث فى غرب آسيا وشمال أفريقيا (أو ما يسميه العالم: الشرق الأوسط). الاجتماع نادر من ناحية تركيبة من هم فيه. طبعاً هناك رسميون وباحثون هنود، وهناك تركيبة من الرسميين والباحثين من إيران، إسرائيل، تركيا، وعشر دول عربية. الإنصات لهؤلاء وهم يتداولون قضايا منطقتنا من حروب، وصراعات، وثورات، وسباق تسلح، وبرنامج نووى وضعنى أمام عدة استنتاجات.
أولاً، العرب أمة حائرة فى عالم محير، أمة بلا بوصلة فى محيط متقلب. لكن بقية الدول: الهند، إسرائيل، إيران، تركيا لديهم قيادات فاهمة هى بتعمل إيه، وبتعمله. هم لديهم رؤية تخرج منها توجهات خارجية متسقة معها. أما العرب، ففوضى الكلام تعكس فوضى الفكر، وفوضى الفكر، تعكس فقره. نحن لدينا فقر فى الفكر.
ثانياً، هناك كفاءات عربية، ولكنها مثل السيارة التى وصفها سعيد صالح: «كل حتة سليمة بس لوحدها». صحيح، لدينا تروس كثيرة سليمة لكنها ليست متماسة أو تعمل وفقاً لرؤية. المهندس المسئول عن بناء مبنى أو كوبرى لا بد أن يعمل وفقاً لتصميم هندسى صممه مهندس آخر، وهذا الأخير أعد التصميم وفقاً لاتفاق مع صاحب المشروع، وخاطئ من يظن أن صاحب المشروع هو الحاكم، وإنما حقيقة هو الدولة والتى هى أكبر من أى حاكم.
ثالثاً، لكل دولة من دول الجوار أب مؤسس يهتدون بفكره حتى إن اختلفوا معاً فى الآليات: فى إسرائيل هناك بن جوريون، فى تركيا هناك أتاتورك، فى إيران هناك الخومينى. من هو الأب المؤسس لتوجهات السياسة الخارجية المصرية: محمد على، الخديو إسماعيل جمال عبدالناصر، محمد أنور السادات، محمد حسنى مبارك؟ طيب هل هو محمد أحمد عبدالعال، شريف السيد محمود، طارق عبدالعزيز برهان. طب مين؟ فوضى الحاضر هى جزء من فوضى الماضى لأننا لسنا انقطاعاً حقيقياً عن الماضى، ولسنا استمراراً حقيقياً له.
رابعاً، إيران تمثل قلقاً للجميع. هى دولة طموحة والأهم صاحبة رؤية، والأهم صاحبة إرادة، والأهم مستعدة للتضحية من أجل تحقيق الطموح وفقاً للرؤية واستناداً للإرادة. إيران ترى نفسها على موعد مع قيادة العالم الإسلامى بعد أن قاده، من وجهة نظرها، العرب ثم المغول (بعد أن أسلموا)، ثم الأكراد، ثم الأتراك.
والآن جاء دورها كى تقود العالم الإسلامى، وهى مؤمنة بهذا وتتحرك على أساسه. تستغل كل فراغ سياسى فى المنطقة كى تملأه. لا تضيع فرصة كى تثبِت وجودها وتثبّت مكانتها، وهى ناجحة.
خامساً، لا وجود للعرب إلا بمصر، ولا قيامة للعرب إلا بالسعودية. هذان هما المخزونان الاستراتيجيان للمنطقة العربية. والكل يتطلع لهما. وإن لم يحدث تطابق تام بينهما فى إدراج مصادر التهديد وما هو متاح من فرص، فستواجهان بما لا قبل لهما ولا للمنطقة به.
سادساً، نادراً ما اجتمع شخصان ذوا حيثية من إيران وإسرائيل فى المكان نفسه. والصراع بينهما هو كيفية كسب العرب، وتحديداً مصر. ولكن مصر اختارت تثبيت الوضع الراهن، ولا تريد أن تتبنى سياسة خارجية أكثر نشاطاً فى هذا المقام.
سابعاً، من الواضح أن الانطباع السائد عنا، نحن المصريين، أننا قوم عاطفيون نرفع شعارات مريحة للأعصاب، ولكنها كالقذف خارج الرحم، لا تؤدى إلى نتائج حقيقية على أرض الواقع. لا نجيد الحساب والبحث عن فرص واستغلال ما يلوح منها لتحقيق مصلحتنا. الكل يتعجب كيف لا ندرك حجمنا وأهميتنا لهذه الدرجة. نحن «خلايا ميتة» فى جسد يتحرك بسرعة شديدة، ونحن كسالى فى الفكر وفى الحركة.
نصيحتى، أكتبها بلا تحفظ، لأنه لن يؤخذ بها فى كل الأحوال، علينا أن نفكر كثيراً وأن نغامر قليلاً بدلاً من حالة الموت الذى نحن فيه. بشرط أن تكون عملية التفكير فيها مزج بين الرسميين وغير الرسميين، يبدو أن الرسميين فى الحكومة المصرية «أنتخوا» ولا يفكرون، لأن «الفكر وحش» فى عالم يفكر بسرعة وبكفاءة ومستعد، لأن يغامر شريطة أن يكون عنده رؤية.
خسارة يا بلد، وضعت نفسكَ فى يد أموات، فأماتوكَ.