عمار علي حسن
يواصل المستشار المالى المرموق الأستاذ محمد أبوسكينة تقديم أفكاره الاقتصادية المهمة، وفكرته الثانية تتمثل فى محاولة تحقيق الاكتفاء الذاتى من القمح، وهنا يقول: «لست هنا فى مقام التذكير بأهمية أن يمتلك الوطن رغيف خبزه حتى يمكن أن تكون قراراته من رأسه، إلى آخر تلك المقولات التى رسخها فى أذهاننا الآباء، ولكن مشكلة الاكتفاء الذاتى من القمح استعصت على الحل فى العقود السابقة نتيجة كثير من العوامل كعدم القدرة على التوسع فى زراعة القمح لضيق المساحات القابلة للزراعة، والشح المائى، علاوة على اتباع سياسات أقل ما توصف به أنها غير وطنية فى التعامل مع هذا الملف الحيوى. هذا ومن المعروف أن معظم ما يتحدث عنه الخبراء فى هذا المجال وما يحاولونه هو رفع إنتاجية الفدان من القمح، علاوة على تحسين شروط التخزين والتداول لتقليل الهدر حتى وصلنا إلى نسبة اكتفاء ذاتى من 55% إلى 60% تقريباً.
وأود هنا أن أشير إلى أن القمح يُزرع فى العروة الشتوية ويتصارع فيها على المساحة مع عدد من الزراعات أهمها البرسيم، وهو العلف الحيوانى الأخضر الذى عادة ما تفوق مساحته مساحة القمح، فماذا لو وفرنا علفاً أخضر بديلاً لإطعام الماشية لا يستخدم الأراضى الزراعية؟ هنا نكون قد أفسحنا المساحة لزراعة القمح.. كيف هذا؟! وهل هو ممكن؟ نعم، من خلال تقنية تجتاح العالم منذ التسعينات تسمى الزراعات المائية أو الزراعة بدون تربة hydroponics ومن هذه الزراعات زراعة الشعير المستنبت. ونذكر من ضمن جدواه الاقتصادية:
1- كل طن من الشعير الجاف ينتج من 6 إلى 8 أطنان شعير مستنبت ولا بد من إنشاء حضانات أو land saver لاستنبات الشعير حتى يمكن التحكم فى الإضاءة والحرارة والرطوبة اللازمة للاستنبات، وتتكلف هذه الحضانات من 50 إلى 60 ألف جنيه فى مصر الآن.
2 - كل مساحة قدرها 50 م2 تنتج كمية من الشعير المستنبت قدرها 180 طناً بما يعادل إنتاج 7 أفدنة من البرسيم طوال العام وليس فى العروة الشتوية فقط.
وبالتالى، ماذا لو تبنّت الدولة، من خلال الجمعيات الزراعية الموجودة فى كل قرية، إنشاء وإدارة هذه الحضانات وتسويق منتجها ليكون بديلاً للبرسيم كمرحلة أولى يأتى بعدها تشجيع الدولة للاستثمار الخاص فى هذا الاتجاه، وعندها نكون قد أفسحنا ملايين الأفدنة لزراعة القمح فى العروة الشتوية بل والاكتفاء ذاتياً منه.
ويجب أن نعلم أن الزراعات المائية موجودة الآن على نطاق واسع فى الغرب الأمريكى وفى اليابان، وبشكل كثيف يدعو إلى التقدير فى دولة الإمارات العربية المتحدة.
أما الفكرة الثالثة فتدور حول محاولة توطين الصناعات وتوسيع القاعدة الإنتاجية، وهنا يقول أبوسكينة: من الثابت أن تجارب اقتصادية ناجحة كالتجارب اليابانية والصينية والتايوانية ارتكزت على أفكار الهندسة العكسية والابتكار والتجديد كما علمنا من برامج التطور الاقتصادى لهذه الدول.
فماذا لو ألزمنا مجموع المدارس الصناعية فى كل محافظة بتصميم مشروع التخرج السنوى على هيئة محاكاة نموذج طبق الأصل لآلة أو معدة ما، وعندها سيكون لدينا 29 آلة أو معدة فى العام تم محاكاتها بمعدل نموذج واحد للمدارس الصناعية لكل محافظة من المحافظات.
وماذا لو ألزمنا كليات الهندسة فى كل جامعة بالمحافظات بعمل تطوير لآلة أو معدة قائمة أو ابتكار شىء جديد أو ميزة إضافية تحسن أداءها، حبذا لو تم تقليل كلفتها، عندها سيكون لدينا 29 آلة مطورة أو مبتكرة فى العام. وأتصور أننا لو فعلنا هذا نكون قد أرسينا أساساً لقاعدة صناعية وإنتاجية يمكن تطويرها وزيادتها كل عام تمكننا من سد احتياجات السوق المحلية، كمرحلة أولى يمكن تطويرها وبالتوازى استهداف الأسواق الخارجية لصادرات مصرية ذات جودة معتبرة.