عمار علي حسن
هكذا وصفه الأستاذ حسام عبدالهادى فى كتاب حمل هذا العنوان، أتبعه بعنوان فرعى يقول «فضائيات حرق الوطن»، أهدى منه نسخة إلىّ تحوى عبارة دالة للإمام على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، قد تكون هى مفتاح قراءة الكتاب، أو الدافع الذى ساق مؤلفه إلى أن يقتطع من وقته ساعات طويلة ليخطه على الورق، والعبارة تقول: «حين سكت أهل الحق عن الباطل توهم أهل الباطل أنهم على حق»، وهى تتفاعل وتتشاكل مع أول سطرين مستعارين فى الكتاب يعود بهما المؤلف إلى قول «جوبلز» وزير الإعلام فى عهد «هتلر»: «أعطنى إعلاماً بلا ضمير، أعطك شعباً بلا وعى»، وكذلك مع تعريف الكاتب لهويته أو اتجاهه إذ يقول: «أنا لست علمانياً ولا ليبرالياً ولا إخوانياً ولا سلفياً ولا شيعياً ولا شيوعياً ولكنى فقط مصرى الهوى والهوية، مسلم سُنى وسطى».
ومن الإهداء والتقديم والتعريف ينطلق الكاتب منتقداً الإعلام الخاص بلا هوادة وإلى حد الجلد والنبذ، فهو إن كان يقر بأن هذا الإعلام «قد حرك المياه الراكدة فى المجتمع بإثارة الرأى العام حول مناقشات كثيرة وقضايا متعددة» فإنه لا يحمد له الوقوع فى التحريض وزرع الفتنة، والتسطيح وزرع التفاهة. ويحمل بشدة على كثير من الإعلاميين الذين تملأ وجوههم الشاشات فى برامج شهيرة مكدسة بالإعلانات، دون أن تكون المحصلة على قدر الشهرة وعلى حجم المشاهدة، ودون أن يدرك كل منهم أن الساعات التى تتاح له كفيلة بإحداث ثورة فى الوعى، وزرع محبة للوطن وللقيم العليا، إن أحسن توظيفها، وبذل جهداً فى سبيل تعميق المادة التى يقدمها، أو تحرى الدقة فى جمعها وعرضها.
ويريد الكاتب أن يذكر الإعلاميين بعظمة الكلمة ودورها ف«فى البدء كان الكلمة» فيستعين بما ورد فى المسرحية الشعرية «الحسين ثائراً» للكاتب الكبير الراحل عبدالرحمن الشرقاوى، حيث يقول: «أتعرف معنى الكلمة؟ مفتاح الجنة فى كلمة/ دخول النار على كلمة/ وقضاء الله هو الكلمة/ الكلمة لو تعرف حرمة/ زاد مزخور/ الكلمة نور/ وبعض الكلمات قبور/ وبعض الكلمات قلاع شامخة/ يعتصم بها النبل البشرى/ الكلمة فرقان بين نبى وبغى».
يقسم «حسام» كتابه إلى عناوين بارزة تبين فى مجملها ما يريد أن يعلم عنه ويصفه ويحلله ويشرحه، وذلك من قبيل «الإعلام الكاذب» و«إعلام الفتنة» و«الإعلام فيه سُم قاتل» و«الإعلام والانفلات الأخلاقى» و«إعلام البسطاء» و«الإعلام والصيد فى الماء العكر» و«الإعلام آلة الحرب الحديثة» و«الإعلام وفرض الوصايا» و«إعلام حرق الوطن» و«الإعلام وزمن الفن الرخيص»، ثم يدلى برأيه فى إعلاميين بعينهم منهم إبراهيم عيسى ومحمود سعد ومجدى الجلاد ووائل الإبراشى وخالد صلاح وهالة سرحان ومنى الشاذلى وعمرو أديب وعمرو الليثى وتوفيق عكاشة، لينزلق من تقييم أدائهم على الشاشات إلى تتبع مقتطفات من سيرهم الذاتية ومسالكهم الشخصية، خالطاً بين هذا وذاك، من دون حذر ولا تحسب.
ورغم أن ما فى الكتاب من دعوة إلى تقييد بعض الحريات المعطاة للإعلام بدافع المسئولية أو تغليب المصلحة الوطنية قد يساء استغلاله من قِبل أى سلطة للهيمنة على الإعلام والعودة به إلى عهد التعتيم والتكميم والتوجيه فإن المؤلف، وهو كاتب صحفى وإعلامى بمؤسسة «روزاليوسف» العريقة، لا يسعى بالقطع إلى ذلك إنما يريد أن يدق ناقوس الخطر من ترك الحرية بلا مسئولية، والسعى وراء حصد أعلى مشاهدة من دون الاعتناء بمضمون المادة التى يقدمها الإعلامى، وتغليب المصالح الشخصية لبعض الإعلاميين فى تحصيل الشهرة والكسب والنفوذ على المصلحة العامة.
أتمنى على الكاتب أن يضيف إلى الطبعة الجديدة من كتابه فصولاً عن التحريض وبث الفتنة والفرقة التى كانت تقوم بها بعض الفضائيات التى سمّت نفسها «دينية» وتم تسييسها بشكل جارح وابتعدت عما استهدفته لحظة انطلاقها من الدعوة إلى الله لتدعو إلى السلطان، وكذلك ما تقوم به شبكة «الجزيرة» القطرية الآن، وهو يتعدى ما قاله «جوبلز» بكثير، ويهبط من «الإعلام الأسود»، وفق عنوان الكاتب، إلى «الدعاية السوداء» بكل ما تعنيه الكلمة من معانٍ.