عمار علي حسن
1- الحفاظ على النظام الحاكم: فليس من قبيل التجنى أن نقول إنه لم يحدث، إلى الآن، تغيير جوهرى أو جذرى وعميق فى نظام حسنى مبارك؛ فقد ذهب هو أو سقط عن عرشه وبقيت «المباركية» طريقة فى تفكير السلطة وأسلوب عمل لأجهزة الدولة ومؤسساتها. وقد يرجع هذا بالأساس إلى أن من تسلموا الحكم عقب خلع «مبارك» لم يكن فى حسبانهم أو فى نيتهم الاستجابة لمطالب الثورة؛ فالمجلس العسكرى الذى تسلم الحكم فى 11 فبراير 2011 تعامل مع ما بدأ فى 25 يناير بوصفه مجرد انتفاضة ضد التوريث، وكان همه الأساسى هو الحفاظ على تماسك كيان الدولة الذى تعرض لهزة عنيفة، ناهيك عن افتقاد أعضاء هذا المجلس الخبرة الكافية لإدارة شئون الحكم، وكذلك طبيعة الجيش كمؤسسة «أمنية بيروقراطية» تعتقد أن المجتمع يجب أن ينتظم على شاكلتها ولذا لا تحبذ تعددية الآراء والمواقف واختلاف المشارب والأهواء. ولهذا حاول المجلس طيلة الوقت «تبريد الثورة» وتخفيض سقف مطالبها أو تفريغها من مضمونها تدريجيا.
وجاء حكم جماعة الإخوان فلم يترجم هذه المطالب إلى واقع عملى؛ لأن الإخوان اعتبروا الثورة «فرصة» تاريخية منحها الله أو الشعب إياهم للانتقال من «مرحلة الصبر» إلى «مرحلة التمكين» سريعا، فضلا عن أنهم من المنشأ أو الأساس لم يكن لديهم أى بدائل حقيقية عما كان يجرى قبل ثورة يناير، فالإخوان لم يريدوا تغييرا جذريا ولا إصلاحا شاملا لنظام «مبارك»، إنما أرادوا أن يرثوه كما هو، ثم يديروا فساده واستبداده لصالحهم.
والآن، وبعد أن سقط حكم الإخوان، بدأت مصر مرحلة انتقالية أو تأسيسية جديدة، لتجد السلطة الجديدة نفسها فى مواجهة موجة جديدة من إرهاب الجماعات المتطرفة والتكفيرية التى تحالفت مع الإخوان، وتستفيد من إمكاناتهم المادية أو من المظلة السياسية التى يوفرونها تحت لافتة تسمى «الدفاع عن الشرعية». وتحت ذريعة ألا يعلو صوت فوق صوت «مكافحة الإرهاب» قد تجد السلطة الراهنة مبررا تسوقه لعموم الناس بأن الوقت لا يسمح بترف اسمه «إنجاح الثورة»، لا سيما أن المعركة مع الإخوان كانت لاسترداد الدولة التى أصبحت فى خطر أيامهم، كما سبقت الإشارة باستفاضة فى القسم الأول من هذه الدراسة.
2- الانتصار للثورة: وهذا أكثر المسارات نجاعة فى كسب الشرعية وتعزيز رضا الجماهير والحفاظ على تماسك الدولة وغلق الطريق أمام إعادة الأمور إلى الوراء، سواء كان بعودة المباركية أو الإخوانية. فثورة يناير انطلقت لأن شروطها كانت متوافرة كاملة، وما زاد سخط الناس على المجلس العسكرى الأول ومن بعده الإخوان إلا لأنهما أهملا مطالب الثورة المستحقة، وغير القابلة للتأجيل، وراحا يعملان ما فى وسعهما من أجل أن تبقى الأمور على حالها. لكن ما يعوق هذا المسار الآن هو أن من جلسوا فى مقاعد الحكم ليسوا من الثوريين، إلا ما ندر، بل هم مزيج من أتباع النظام القائم والمنحازين إلى الخيار الأمنى وأتباع شعار «سكن تسلم». وهذا جد خطير، سواء على السلطة الراهنة، أو حتى القادمة، إن لم تستجب لنداءات العدالة الاجتماعية، وفعلت ما يجرح الكرامة، ويخنق الحريات العامة.
3- طريق الإصلاح: ويعنى عدم الاستجابة الفورية والسريعة لاستحقاقات الثورة، وهذا ما جرى بالفعل، واتباع النهج الإصلاحى، الذى يقوم على ترك الآليات والإجراءات التى يحددها الدستور من تداول سلطة، وتعددية سياسية، وتكافؤ فرص بين المتنافسين السياسيين، ونزاهة الانتخابات، ورقابة شعبية، وتقوية المؤسسات، وحضور المجتمع المدنى، لتصحيح أخطاء الماضى تباعا وتحقق ما أراداه الثوار، لا سيما أن الفساد والاستبداد نجما عن «التأبد فى الحكم» وضعف المجتمع فى مواجهة السلطة.
نقلاًعن "الوطن"