انتحار الإخوان

انتحار الإخوان

المغرب اليوم -

انتحار الإخوان

عمار علي حسن

.. وانتحر الإخوان حين ظنوا أن مصر الكبيرة العريقة يمكن أن تدخل طيعة خانعة فى عباءة جماعتهم الضيقة المهترئة الخشنة الرخيصة، فلا الجماعة لديها من سعة الفكر وعمق التصور ومرونة التصرف ما يجعل بوسعها أن تستوعب كل هذا الزخم الشعبى والقيم والثقافات والتقاليد المتوارثة والطبقات الحضارية المتتابعة والمطالب المتنوعة للمصريين، ولا مصر بوسعها أن تتصاغر وتتضاءل لتدخل طيعة فى عباءة أو فم أضيق من ثقب إبرة، يخفق فى أن يرد عن الإخوان هذا السيل العرم من أفعال وأقوال تقوضهم وتصيب تنظيمهم من أطرافه وفى قلبه. فالإخوان يعرفون عن «عبس» و«ذبيان» أكثر مما يعرفون عن «تحتمس» و«أحمس» ويحفظون تاريخ «ثعلبة» و«بلتعة» لكنهم لا يفقهون شيئاً عن «إخناتون» الذى نادى بالتوحيد، ولا «متون الأهرام» التى حوت نصائح عميقة وعظات خالدة تشبه «الوصايا العشر»، ولذا ليس بوسع الجماعة ولا بمكنتها أن تدرك طبيعة البلد الذى قُدّر له أن تنشأ فيه، وتتمدد فى أعطافه، حتى تصل إلى أعلى هرم للسلطة به. وهذا الجهل بمصر وقيمتها ليس ابن هذه الأيام لكنه صاحب ميلاد الإخوان، إذ كان مؤسس الجماعة يفاضل بين عدة دول ليطلق فى أى منها دعوته، واحتار فى البداية بين اليمن ومصر، لكنه اختار الأخيرة، لعوامل تخص الأمن والحسابات المصلحية الضيقة أكثر مما تخص استيعابه لقيمة البلد ومكانته. وهكذا استمر نظر الجماعة إلى الوطن، حتى وجدنا مرشدهم مهدى عاكف يقول ذات يوم: «طز فى مصر» ويعترف بأنه لا يجد أى غضاضة فى أن يحكم بلدنا شخص من ماليزيا أو غيرها من البلدان الإسلامية. ووجدنا شباب الإخوان يهرولون نحو رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان فى أول زيارة لمصر بعد الثورة ليستعيدوا معه أيام «الإمبراطورية العثمانية» التى استنزفت مصر ونزحتها وأخذت كل مفيد فيها ولم تعطها شيئاً، لا علم ولا حرية ولا حتى حماية للشعب المصرى الذى تركته يرسف من جديد تحت حكم المماليك، وكلاء وأعواناً لآل عثمان. وانتحر الإخوان حين ألقوا بكل أوراق اللعبة فى يد الولايات المتحدة، متناسين المثل المصرى العبقرى الذى كانوا يرددونه هم أنفسهم أيام حكم مبارك «المتغطى بالأمريكان عريان»، وراهنين إرادة بلدنا واستقلال قراره لصالح توجهات واشنطن ومصالحها، ليتحولوا بالنسبة لها إلى «كنز استراتيجى بديل» بعد رحيل «كنز مبارك»، ويتصرفوا وكأن كل شىء سيصبح طوع بنانهم ووفق مشيئتهم ما دام «الكفيل الأمريكى» راضياً عنهم، ولا ينشغلون بسخط المصريين ولا غضبهم، ولا تقريعهم للجماعة ونعتها بخيانة الثورة وافتقاد الكفاءة فى إدارة الدولة، لأن غاية ما يشغلهم هو رضى أمريكا التى ساعدتهم على الوصول إلى الحكم، متناسين أن من انتخبهم هو الشعب المصرى، وساعين إلى تغيير قواعد اللعبة وشروط الانتخاب والاختيار وكل العناصر التى تؤثر فيه حتى يصبح رأى الشعب وتوجهه فيما بعد غير ذى جدوى. وهى الطريقة نفسها التى كان يفكر ويتصرف بها مبارك حتى وقع فى شر أعماله. وينتحر الإخوان حين يهتمون بالخارج عموماً، فيخاطبونه ويراسلونه شارحين له ما يجرى لهم، وواقفين ليبكوا على أعتابه، خالقين أمامه «مظلومية جديدة» أغلبها مصطنع وأكثرها تمثيل فى تمثيل، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء الوقوف أمام الشعب المصرى ليستعرضوا أمامه هو، مصدر السلطات ومنشئ الإرادة، كل شىء، ويعتذروا له هو عن كل ما بدر منهم من أفعال سيئة من قتل وسحل وتعذيب وتعويق لمسيرة الثورة. وانتحر الإخوان حين رأى الناس هذا التناقض الرهيب فى موقفهم من الصراع العربى الإسرائيلى، ما بين «خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود» قبل الثورة إلى رسالة محمد مرسى الحميمة لنظيره شيمون بيريز بعد أن وصلوا إلى الحكم التى يقول له فيها «صديقى العزيز جداً». ومن كلام قادتهم عن «الصهيونية» على مدار ثمانين سنة إلى دفاع عصام العريان عن «حق العودة» لليهود إلى مصر، وهو يعلم أنهم لن يعودوا لكنهم سيستخدمون قوله هذا فى طلب تعويضات رهيبة من مصر، لا يشغل الإخوان كيف ندفعها، إنما ما يشغلهم أن ترضى عنهم تل أبيب وتقول لحلفائها فى واشنطن: اتركوهم فى الحكم وساعدوهم فهم لنا ورهن إشارتنا. والمسألة هنا لا تقف عند حدود إسرائيل، ولا «القضية الفلسطينية» بوصفها قضية العرب المركزية، إنما هو مجرد مثال صارخ على إمكانية حدوث انقلاب تام فى السياسة الخارجية لجماعة الإخوان، لاسيما أن من يدير دفتها، ليس من وصل إلى الرئاسة، ويعتبرونه مجرد رئيس شعبة من شعب الجماعة، إنما مكتب الإرشاد كله، الذى يتحكم فى مقاليد الأمور، ومعه العناصر النشطة فى «التنظيم الدولى» للجماعة، والذين أحاط بعضهم بمرسى، وأسندت إليه مهام خارجية أكبر من طاقته وخبرته، وأبعد من أنف جماعته.   "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتحار الإخوان انتحار الإخوان



GMT 23:46 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 23:34 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

هل ستتفتح زهور الصين وتثمر في أفريقيا؟

GMT 23:31 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كيف نفسر البلطجة الإسرائيلية؟

GMT 23:26 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

قصة وعِبرة!

GMT 23:21 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عن يمين وشمال

GMT 20:14 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

جوال قتّال

GMT 20:12 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدهناء وبواعث الشجن

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 23:49 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي
المغرب اليوم - فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي

GMT 22:07 2020 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"عنكبوت" فيراري ينطلق بقوة 1000 حصان نسخة مكشوفة من SF90

GMT 08:20 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

يارا تظهر بإطلالة مثيرة في فستان أخضر مميز

GMT 11:17 2022 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الريال القطرى أمام الجنيه المصرى اليوم الأربعاء 23-11-2022

GMT 14:49 2021 الخميس ,26 آب / أغسطس

4 ساعات غطس للرجل المغامر

GMT 03:18 2020 الأربعاء ,03 حزيران / يونيو

منظمة الصحة العالمية تزف بشرى سارة بشأن "كورونا"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib