عمار علي حسن
قُم واغرس شجرة تظلل رأسك فى هذه الصحراء الجرداء. وازرع وردة تحجب حتى ولو قليلاً من القبح والتوحش الذى نعيش فيه. وضع لبنة فى جدار صغير تكالبت عليه كل عوامل التعرية من أجل ألا ينمو ويعلو ويقيم ظهره المكدود. وأطلق كلمة تهز الصمت والخرس الذى يلف أيامنا، ويُطمع فينا السلطان والقرصان والسجان.
لا تتردد...
فالإقدام من أخلاق الفرسان، ومن شيم الذين يحرصون على أن يتركوا وراءهم علامة ولا يمرون على الدنيا مروراً خافتاً باهتاً، وهو فضيلة من فضائل الذين يرفضون أن يكونوا مجرد رقم فى طابور لا ينتهى، ونقطة ضائعة فى زحام خانق، وصفر على الشمال، وقشة فى ريح عاصف، وفقاعة فى شمس حارقة، وشىء لا يشغل أى حيز من الفراغ.
لا تتردد...
انفض عن نفسك الكسل، وعن قلبك الخوف، وعن عقلك التيه، واحزم أمرك، وسر فى سبيلك ولا تتراجع، فالخط المستقيم أقرب الطرق إلى الهدف، والصدق نجاة، والحياة تفتح ذراعيها لأولى العزم، والنوافذ الضيقة تحتاج دوماً إلى من يخمش أطرافها فتتسع، ويضرب جنباتها فتصير باباً عالياً يسمح بمرور أصحاب الهامات المرتفعة، والمقامات الرفيعة.
لا تتردد...
اجلس مع نفسك ولو قليلاً لتصنع قرارك، فإن بانت لك ملامحه، فتوكل ولا تتواكل، فالرأى السديد تقتله العزائم الخائرة والإرادات الهشة، والكلمة الصادقة الصائبة تحتاج إلى من لا يهمل تتويجها بالفعل الناجع النافع، فكن ممن يتبعون الأقوال أفعالاً، وممن يأتى ما يسلكونه موافقاً لما يفكرون فيه ويعتقدونه، فالضجيج بلا طحن خبل، والثرثرة بلا جهد هباء، والحركة التى لا تدفعك إلى الأمام قد تجعلك تجثو على ركبتيك فى مكانك.
لا تتردد...
فالمنبت لا أرضاً قطع، ولا ظهراً أبقى، والمجد يرتفع بنيانه على أكتاف من يمضون فى سبيلهم بثقة واقتدار، والفرص العظيمة السانحة تضيع أمام عين من لا يعرف فضيلة الإقدام، والألف ميل تبدأ بخطوة، ومن يمش فى مناكب الأرض يجد رزقه، والقاعد المتقاعد لن يحصد سوى البوار.
لا تتردد...
إن لم تفهم اسأل ولا تستنكف الاستفهام مهما كانت قيمة وقامة من توجه إليه السؤال، ولا تعش فى أحلام اليقظة، بل عش فى الحقيقة وواجه مصيرك بكل اقتدار، ولا تحقر من نفسك، وثق أنك لست أقل من الآخرين، فكل الناس لآدم وآدم من تراب، وتصرف على أنك لن تكون أبداً ريشة فى ريح عاصف، ولا قطرة عذبة فى بحر مديد، ولا حصاة فى جبل أشم.
لا تتردد...
ولا تترك الزمن يديرك وأنت تدير ظهرك لإرادتك، بل أدر الزمن، واجعله يجرى لصالحك، فالوقت سيف، وكل السيوف تجتمع على من يجلس منكمشاً كفأر مذعور، بينما كل شىء أمامه يفتح له ذراعيه، ويقول له فى صوت يهز أعماقه، تقدم ولا تحجم، فكل شىء بوسعك ولك وملكك، الماء والكلأ والنار، الثروة والجاه، السعادة والرضا، مكانك الذى يجب ألا تتركه أبداً، موقعك الذى يجب أن ترابط فيه، حقك الذى يجب ألا يغتصبه منك أحد، واجبك الذى لا ينبغى أن يقوم به غيرك.
لا تتردد...
ولا تخدع نفسك بأن تنطلق كبيراً، وتبدأ من النهاية، فالبدايات أبواب الساعين باجتهاد إلى النهايات، والنهايات تتجدد لمن يستطيعون أن يوسعوا غرف الحياة المظلمة، ويؤمنوا بأن ما لا يميتنا يقوينا، وأن كثرة السقوط تعلم الوقوف، وخير الخطائين التوابون. فلا تخف من الخطأ، ولا من الفشل، بل حاول وحاول، مرة ومرات وألف مرة، حتى تصل إلى الغاية التى تصبو إليها.
لا تتردد...
فى أن تبوح بما تحب لمن تحب، فالبوح يريح النفس ويردى الندم، والفرسان هم من يواجهون مصائرهم فى صبر، وينسون ذواتهم لإسعاد من يعشقون، ولا تأسف أبداً على جرأتك وعزتك وخطواتك التى قطعتها إلى الأمام، فإن حصدت فرحاً فاغتبط، وإن أصابك حزن، فتيقن أنه سيصغر حتى يتلاشى، وأنك فى النهاية قد حصدت ذكريات جميلة لا تفنى.
لا تتردد...
لكن إياك أن تتهور، فالتهور آفة، وقفزة فى الفراغ. وإياك أن تسارع إلى أخذ ما ليس لك بوجه حق، فهذا طمع وخسة. وإياك أن تسارع إلى حصد ثمرة مرة ورزق حرام. فالإقدام خير ولا يكون إلا بخير ومن أجل خير، وغير ذلك تكالب وانتهازية وحيوانية، وإصرار على إعلاء قانون الغاب، وتحويل الناس إلى وحوش ضارية.
لا تتردد...
حدد هدفك، وضع خياراتك، وادرس المزايا والعيوب، الحلو والمر، وكن مؤمناً بأن القرار الخاطئ الذى نصححه ونصوبه ونعززه أفضل كثيراً من العيش بلا قرار.
نقلاً عن جريدة "الوطن"