من فرعون إلى مرسى

من فرعون إلى مرسى

المغرب اليوم -

من فرعون إلى مرسى

عمار علي حسن

عزيزى مرسى: عمت صباحاً، بلغنى أنك فعلت بعض ما فعلت أنا، ووصلت إلى ما بلغته، وهذا لا يغضبنى، ولا يزعجنى، بل يسعدنى، لأنك بعد عشرات السنين من قراءة لـ«القرآن الكريم» الذى تؤمن به، ويقدحنى لأنى آذيت المؤمنين برسالة الله فأغرقنى وجعلنى آية، هاأنت تعود إلىَّ ضارباً بآياته البينات عرض الحائط، لتعطى نفسك صلاحيات وسلطات لم ينلها أى من خلفاء المسلمين، وتعتبر نفسك معصوماً مثل الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، بل إن النبى وكما نعلم نحن فى الآخرة كل ما يجرى فى الدنيا لأن أرواحنا تسبح فى الكون وفق مشيئة خالقنا العظيم، كان يراجعه صحابته فى بعض قراراته ويقولون له: أهو الوحى أم الرأى والمشورة، فإن كانت الثانية أشاروا عليه بغير ما رأى، مثلما حدث فى موقعة بدر. على أيامى كان الملك يقيم عبادة الآلهة، ويرعاها ويحرس البلاد، ويكفل رخاء أهلها، ويوحى لرعاياه بأنه الضمان الأكيد للاستقرار، ولذا نفذوا معه «السمع والطاعة» عن اقتناع تام، وشمروا عن سواعدهم فى بناء قصوره ومعابده، ومقره الأبدى على شاكلة تعبر عن مدى إيمانهم بعظيم منزلته. وعلى عكس جماعتك التى لا تملك أى مشروع حقيقى لبناء مصر شيد الملوك فى زمانى حضارة عظيمة قامت على التقدم فى الهندسة والطب والعمران والفنون وتجهيزات الحرب، وعلمت العالم من شرقه إلى غربه، حتى دان لها بالفضل فى تقدمه. ومثلما قال عنك بعض المشايخ الموالين لك إنك «سيدهم» و«اختيار الله لهم» بل إن أحدهم طلب منك ما طلبه الله تعالى من الرسول، كان الكهنة على أيامنا يقولون «أشرق الملك»، أو «أطل من عليائه». وبات كل ما يتصل بالملك مقدساً مهما كانت قيمته، فتيجانه وصولجانه وكل شاراته مقدسة، فهل كل النياشين التى منحتها لنفسك مقدسة أيضاً؟ ومن يدريك أن يقولون عنك إن فاضت روحك مثلما كان يقال عنا حين نموت: «السماء تبكى من أجلك، والأرض تزلزل من أجلك»، وكان هراء. عزيزى مرسى: ألم تسع جماعتك إلى الاستيلاء على منابر الدعوة فى مصر كلها، ونعت كثير من الشيوخ من يعارضونك بأنهم مارقون فاسقون بل وكافرون؟ هكذا أيامنا جعل الملوك المعابد تحت سلطانهم حتى يضمنوا استمرار الاعتقاد فيهم وترسخه، وجعلوا المعابد تحت سلطانهم، وكان الملك منا يعين كبار الكهنة ويدير ممتلكاتها من الأراضى والقطعان، وله الحق فى التفتيش على خزائنها. وأود هنا أن ألخص لك حال ملوكنا فى ثلاث نقاط لعلك تجد فيها ما تتعظ منه الآن فى مقامك هذا، وترجع به إلى جادة الصواب: 1- كل ما يتفوه به واجب النفاذ، ولا بد أن يتحقق فوراً، لأن مشيئته هى القانون، ولها ما للعقيدة الدينية من قوة. ولأن الملك منزه عن الأخطاء والآثام، فلا يكون أمام المصرى من خيار سوى أن يخر خاضعاً له، مطيعاً لأوامره. 2- فى وجود الملك لم تكن هناك حاجة إلى مؤسسات سياسية، فما ينطقه يغنى عن القواعد القانونية المفصلة، وما يراه يختزل الكثير من أدوار الهيئات السياسية والاجتماعية. ومن الخطيئة سن ما قد يقيد من سلطة الملك وجبروته، ولذا كان القضاة يحكمون حسب الأعراف والتقاليد المحلية التى يرون أنها توافق الإرادة الملكية، وقد يغيرون هذه الأحكام إن شاء الملك ذلك، لأنه مصدر التشريع، الذى يجب أن يحكم القضاء باسمه. 3- هناك تسليم جماعى بأن الإرادة الملكية لا تفعل إلا خيراً، ولا تسعى إلا إلى كل ما هو مفيد، ولذا لا يجب معارضة مشيئتها، أو الافتئات على الاقتناع التام بأنها همزة الوصل الوحيدة بين الناس والآلهة، التى تعرف رغبة الأخيرة، وتعمل على تحقيقها. ومع هذا أود أن أنبهك إلى أن الملك على أيامنا لم يكن إلهاً تشيد له المعابد، وتقدم له القرابين، ولم تعد مناداته بـ«الإله الطيب» أو «حوريس» أو «ابن رع» أو «الشمس الحية» أو «لسان أتوم» سوى طريقة مهذبة فى التعبير عن الخضوع التام له، ولسلطانه، حتى إذا شاع الاستعمال اللفظى لتلك الألقاب، بدأت مع مرور الزمن تفقد الإحالة إلى معانيها الأصلية، أو تنفصل عن الأسس والجذور اللغوية والاعتقادية التى نبتت منها، ليبقى الملوك بشراً، ما عدا أنا الذى قلت لهم: أنا ربكم الأعلى، فعاقبنى الله أشد عقاب، فاقرأ ما جاء عنى فى الكتاب الذى تؤمن به، وابتعد عن طريقى حتى يعصمك الله من سوء العاقبة. نقلاً عن "الوطن"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من فرعون إلى مرسى من فرعون إلى مرسى



GMT 23:46 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 23:34 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

هل ستتفتح زهور الصين وتثمر في أفريقيا؟

GMT 23:31 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كيف نفسر البلطجة الإسرائيلية؟

GMT 23:26 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

قصة وعِبرة!

GMT 23:21 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عن يمين وشمال

GMT 20:14 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

جوال قتّال

GMT 20:12 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدهناء وبواعث الشجن

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 23:49 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي
المغرب اليوم - فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي

GMT 22:07 2020 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"عنكبوت" فيراري ينطلق بقوة 1000 حصان نسخة مكشوفة من SF90

GMT 08:20 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

يارا تظهر بإطلالة مثيرة في فستان أخضر مميز

GMT 11:17 2022 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الريال القطرى أمام الجنيه المصرى اليوم الأربعاء 23-11-2022

GMT 14:49 2021 الخميس ,26 آب / أغسطس

4 ساعات غطس للرجل المغامر

GMT 03:18 2020 الأربعاء ,03 حزيران / يونيو

منظمة الصحة العالمية تزف بشرى سارة بشأن "كورونا"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib