البلتاجى الإنسان والبلتاجى الإخوان

البلتاجى الإنسان والبلتاجى الإخوان

المغرب اليوم -

البلتاجى الإنسان والبلتاجى الإخوان

عمار علي حسن

يستيقظ ضمير محمد البلتاجى فيخرج عن النص لكنه لا يلبث أن يعود هرولة إلى بيت الطاعة، لينطق بما هو مرسوم له بعناية فيتبعه شباب الجماعة وغيرهم وتسيل دماء فى كل الاتجاهات. شهداء وجرحى يتساقطون فى شوارع الألم، والبلتاجى ليس موجودا، فقد قال كلمته، أو أطلق أوامره، أو تفوه بما طُلب منه أن يُعلنه، ثم اختفى إلى حين، ليبقى السؤال الدائم: ماذا يقول البلتاجى الإنسان للبلتاجى الإخوان؟ أتذكر جيدا يوم الجمعة 18 نوفمبر، حين وقف هو بنفسه على المنصة الرئيسية فى ميدان التحرير ودعا إلى الاعتصام. لكن الجماعة التى ألفت شعار «ثورة ثورة حتى العصر» سحبت أتباعها قبيل المغيب، وتركت الليل والهول والحرقة لأصحابها يهتفون: «اعتصام اعتصام.. حتى يسقط النظام»، «يا طنطاوى قل لعنان.. الشرعية للميدان». ربما يومها كان البلتاجى يمثل نفسه، مثلما يعن له أحيانا، ثم تأتيه الأوامر زاجرة ناهرة: «بلتاجى أعرض عن هذا»، فيصرخ من أعماقه: «سمعا وطاعة». بعد ساعات من دعوة الاعتصام تلك كان رجال الأمن القساة الغلاظ يجرّون شابا قتلوه من بين المعتصمين إلى صندوق القمامة فقامت الدنيا وانفتح باب جهنم فى شارع محمد محمود لأسبوع كامل، بينما البلتاجى يستعد مع جماعته لانتخابات مجلس الشعب بإحصاء أجولة البطاطس وكراتين الزيت، ويصف ما يجرى بأنه مؤامرة من المجلس العسكرى لتأجيل هذه الانتخابات. للأمانة فقد حاول أيامها أن يدخل الميدان لكن الشباب طردوه، وسمعنا أنه تشاجر فى مكتب الإرشاد، لكنه انهزم وصمت، ثم ترك كل كيانه للساقية العجوز تدور به كيفما شاءت. هكذا عهدناه حين يجلس مع أعضاء الجمعية الوطنية للتغيير فيقول ويقول كلاما معقولا، يخرج من البلتاجى الإنسان، ويذهب إليهم ليعود بعد ساعات أو أيام البلتاجى الإخوان، شخصا غير الذى ذهب، ينقلب الود إلى تجهّم، والإقدام إلى إحجام. ها هو البلتاجى يعود قبيل «موقعة الحجر» منتهزا فرصة الأحكام الصادمة بتبرئة المتهمين فى «موقعة الجمل» ليقول إن الإخوان سينزلون إلى ميدان التحرير للاحتجاج على هذه الأحكام. وكأن الرجل قد نسى أنه وجماعته طالما صرخوا فى وجه من نادوا بأحكام ثورية واستثنائية، وقالوا لهم بملء الأفواه: لا بد من القضاء الطبيعى. وكأنه أيضاً يتصور أن الناس سذج، وسينطلى عليهم هذا، ولن يدركوا أن البلتاجى كان ينفذ أوامر «القلة المحتكرة» لجماعة الإخوان والتى أرادت أن تتصدى لمن أطلقوا على يوم الجمعة الفائت «جمعة الحساب»، قاصدين بها جرد ما فعله الرئيس مرسى فى مائة يوم، حسبما وعد، ومستخدمين حقهم الدستورى فى التظاهر السلمى. لم يذهب البلتاجى إلى الميدان، ولم نسمع صوته بينما الأحجار تهوى على الرؤوس والصدور، ولم تصل إلينا زفرته حيال قيام مجموعة من المحمولين أرضا عبر الباصات بالهجوم على المنصة وتحطيمها. فالبلتاجى فعل ما عليه، كعادته، قال ما طلب منه واختفى، ليعود بعد أيام أو أسابيع مغتصبا ابتسامة من أعماقه البعيدة ويطلقها فى وجه الناس، راسما الوجه الذى يتمنى أن يكونه أبدا، لكنه لا يستطيع، فيستمر فى أداء دوره، دون أن يدرى أن للناس آذانا وعيونا وعقولا وأفئدة، وأنك يمكن أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، لكن ليس بوسعك أن تخدع كل الناس كل الوقت. والله غالب على أمره، وهو المطلع على السرائر ومقدر المصائر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البلتاجى الإنسان والبلتاجى الإخوان البلتاجى الإنسان والبلتاجى الإخوان



GMT 23:46 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

القطب التيجاني... وحماية المستهلك الروحي!

GMT 23:34 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

هل ستتفتح زهور الصين وتثمر في أفريقيا؟

GMT 23:31 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

كيف نفسر البلطجة الإسرائيلية؟

GMT 23:26 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

قصة وعِبرة!

GMT 23:21 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

عن يمين وشمال

GMT 20:14 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

جوال قتّال

GMT 20:12 2024 الجمعة ,20 أيلول / سبتمبر

الدهناء وبواعث الشجن

ياسمين صبري بإطلالات أنيقة كررت فيها لمساتها الجمالية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 23:49 2024 السبت ,21 أيلول / سبتمبر

فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي
المغرب اليوم - فيلم نادر يكشف سراً عن منى زكي

GMT 22:07 2020 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"عنكبوت" فيراري ينطلق بقوة 1000 حصان نسخة مكشوفة من SF90

GMT 08:20 2018 الإثنين ,02 إبريل / نيسان

يارا تظهر بإطلالة مثيرة في فستان أخضر مميز

GMT 11:17 2022 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

سعر الريال القطرى أمام الجنيه المصرى اليوم الأربعاء 23-11-2022

GMT 14:49 2021 الخميس ,26 آب / أغسطس

4 ساعات غطس للرجل المغامر

GMT 03:18 2020 الأربعاء ,03 حزيران / يونيو

منظمة الصحة العالمية تزف بشرى سارة بشأن "كورونا"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib