عمرو الشوبكي
حين تتحدث عن العراق وجراحه ستجد من يعتبرك منحازاً لطرف فى مواجهة طرف آخر، وحين تتحدث عن سنة العراق فإنك حتماً ستجد هناك من الشيعة من يتهمونك بالطائفية والانحياز للسنة تماما مثلما اعتبر كثير من السنة أنى منحاز للشيعة حين كتبت منذ شهرين عن «الشرخ العراقى».
والحقيقة أن فتح جراح أى بلد عربى من قبل أى مواطن عربى لا تستقبل بنفس الراحة حين تأتى من كاتب أو باحث أجنبى، فعادة ما ينظر إليها على أنها رأى «خبير دولى» ويا حبذا لو كانت مؤيدة للنظام القائم فتعنون فى مانشيتات الصحف.
والحقيقة أن ما كتبته، أول أمس، عن «نكبة سنة العراق» اعتبره البعض انحيازا طائفيا للسنة، وتدخلا فى شأن بلد آخر وهو العراق الجريح والعظيم، مثلما جاء فى رسالة الأستاذ رضا الباشا:
كنا نظن من كاتب مصرى محترم أن يترفع عن هذه الألفاظ الطائفية البغيضة، التى يستخدمها أعداء الأمة، ليستغلوا الجهلة من الناس تحت عناوين طائفية من كل الطوائف حتى غير الإسلامية، ليمزقوا ويقسموا ويضعفوا أكثر العراق.
ومن يسمعك يرى أن سنة العراق اليوم هم من وقع عليهم الظلم، وأن الشيعة هم من يمارسه، ونسيت أن هذا هو الخطاب الذى يناسب أعداء العراق.
كان عليك أن تخاطب باسم العراق، الذى ظلم من اللحظة التى تسلّم فيها صدام المجرم الحكم إلى اليوم، كل العراق يعانى، وكل بلاد العرب تعانى من وباء الطائفية.
ورغم أن المقال لم يعتبر السنة مظلومين، والشيعة ظالمين، وأن مأساة العالم العربى أن كثيرا من أبنائه يمقتون الطائفية حين تمسهم، ويشجعونها أو يتواطأون معها حين تمس غيرهم.
ولعل هذا ما جعل العقل الطائفى الباطن للأستاذ رضا يستقبل ما كتب فى هذا المقال بشكل طائفى، فالحقيقة لا يمكن النظر إلى أى طائفة مهما كانت على أن كلها ملائكة وباقى الطوائف شياطين، ومعضلة العراق هى فى نظامه الطائفى، الذى ساهم فى بنائه وبشكل أساسى الأحزاب الشيعية الطائفية حسبه البعض خطأ على كل الشيعة، تماما مثل نظامه الاستبدادى فى عهد صدام حسين الذى حسبه البعض على السنة، وكلاهما موقف أضر بالعراق ضررا بالغا.
الملفت أن مقال نكبة سنة العراق انتهى إلى تساؤل استنكارى عن دلالة وجود بيئة سنية حاضنة لتنظيم داعش الإرهابى، تقتل ليس فقط الشيعة والمسيحيين وباقى الطوائف إنما أيضا السنة، فى إدانة واضحة لما هو أبعد من التنظيم الإرهابى، أى للبيئة الثقافية والاجتماعية والسياسية المحيطة بالتنظيم.
تعليق آخر من الأستاذة شيماء أحمد عن الطائفية يقول «فات الميعاد»: أعتقد أن الأوان قد فات وأصبح الصراع فى سوريا صراعا طائفيا وصراع هوية، ففى نفس الوقت الذى أقرأ فيه هذا المقال المحترم أقرأ خبرين فى نفس الجريدة أحدهما أن حسن نصرالله يصرح بأنهم يحاربون فى كل سوريا، وأنها أصبحت حربا وجودية، واﻵخر أن إيران تحارب فى العراق مع الأخذ فى الاعتبار الكتائب الشيعية.
وبكل بساطة هذا يعطى شرعية لداعش بل يزيد من اندفاع الشباب فى الانضمام إليها بحجة السنة فى مقابل الشيعة وسط غياب وتغييب لدور حقيقى لدول المنطقة.
لنا الله وربنا يستر على ما هو قادم.
الطائفية واقع عربى بغيض، علينا أولا الاعتراف بوجودها حتى نستطيع مقاومتها لا أن ندفن رؤوسنا فى الرمال، ونهتف كل يوم للوحدة الوطنية دون أن ندرى أننا نمزقها.