الدستور التوافقى

الدستور التوافقى

المغرب اليوم -

الدستور التوافقى

عمرو الشوبكي

التحدى الذى تواجهه مصر هو كيف يمكن أن يكتب دستور توافقى يعبر عن القيم الأساسية التى توافق عليها المجتمع والتيارات السياسية (ديمقراطية، مواطنة، مبادئ الشريعة الإسلامية، حقوق إنسان، مساواة) فى نصوص دستورية تنال رضا المواطنين. والمؤكد أن طريقة تشكيل أى لجنة لكتابة الدستور ستؤثر على مضمونه وعلى صياغته، وهو ما جرى فى الدستور الماضى، إلا أن الوعى بأن المجتمع المصرى فيه تنوع وأن الدستور ليس برنامج حزب أو تيار سياسى إنما هو دستور لكل الأمة، هو الطريق الوحيد لكتابة دستور توافقى. وحين تفشل أمة فى التوافق على دستورها فإن هذا يعنى بداية فشل تجربتها الديمقراطية، وحين تفشل تجربتها الديمقراطية ستجد من يقول همساً أو صراحة إن هذا الفشل بسبب عدم استعداد الشعب لتقبل الديمقراطية، وفى الحقيقة هذا فهم قاصر ويخفى غياب الرغبة فى تحديد مسؤولية الفشل السياسى والدستورى، لأن الديمقراطية طريق له قواعد تساعد الشعوب على الالتزام بها، وفى مصر فعلنا عكس هذه القواعد وبعدها قلناـ أو قال بعضنا- إن المسؤولية هى مسؤولية الشعب المصرى. والمؤكد أن كتابة دستور جديد ليست بالأمر السهل إنما هى طريق طويل وصعب مرت به مجتمعات كثيرة، واخترنا نحن الطريق الأسوأ بسبب اختراعنا مسارا خاصا وفريدا أدى بنا إلى فشل مزدوج.. الأول مع المجلس العسكرى حين أسقط دستور 71 المعدل بعد أن قال الشعب نعم لتعديله، والثانى حين وضع الدستور من خلال سلطة الإخوان فجاء معبرا عن لون واحد وتيار واحد. إن أمام أى تجربة تغيير مسارين فى التعامل مع دستورها الجديد: فإما أن تمتلك رؤية سياسية وقيادة قادرة على وضع دستورها الجديد المعبر عنها بصورة فورية، بعد نجاحها فى إسقاط النظام القديم ـ وهو أمر لم يكن متوفراً فى الحالة المصرية، مما جعل الطرح الصارخ هو إسقاط الدستور القديم و«لا دستور تحت حكم العسكر» وغيرها من الهتافات التى أوصلت القوى المدنية إلى أن تتخلى عن دستورها المدنى، نتيجة ضعف المجلس العسكرى وارتباك أدائه، فأوقفوا العمل بدستور 71 تحت ضغط الائتلافات المدنية، وفتح الباب لأول مرة فى تاريخ مصر لربط كتابة الدستور بوزن كل تيار فى الشارع، فكانت الغلبة للإسلاميين الذين شعروا بأن من حقهم كتابة دستور وفق رؤيتهم، طالما أنهم حصلوا على أغلبية فى البرلمان والجمعية التأسيسية، فكان دستور 2012 سببا فى انقسام الأمة وليس لمّ شملها. والحقيقة أن بداية الخلل فى الجمعية التأسيسية السابقة كانت فى أنها ارتبطت بـ«المحاصصة السياسية»، وتلك ثقافة لا علاقة لها بكتابة الدساتير والأغلبية والأقلية داخل البرلمان، فتركيا التى تحدثنا مرارا عن تجربتها فى كتابة الدستور شكلت لجنة من 12 عضوا فقط لكتابة دستورها الجديد يمثلون بالتساوى الأحزاب الأربعة الممثلة داخل البرلمان، ويتساوى هنا حزب العدالة والتنمية الحاكم، الذى حصل على نسبة تقترب من الـ50%، مع الأحزاب الثلاثة الأخرى التى حصل أحدها على حوالى 10%، ومع ذلك تم تمثيل كل واحد منها بـ3 أعضاء فى هذه اللجنة، ودون أن يحاول الحزب الحاكم فى تركيا (الذى يتبنى زعيمه أردوجان بكل فجاجة الرواية الإخوانية لما جرى فى مصر، رغم أنه فعل فى بلده عكس ما فعل الإخوان) أن يهيمن على لجنة الدستور، كما فعلت الأغلبية الإسلامية فى الدستور المعطل فى مصر. وقد أجرت هذه اللجنة التركية عشرات الاجتماعات مع ممثلى النقابات والجمعيات الأهلية والروابط الشعبية المختلفة، تمهيدا لوضع دستور جديد للبلاد، بعد أن عاشت أكثر من 30 عاما فى ظل دستور انقلاب 1980 رغم تعديله أكثر من مرة. وإذا كان من المؤكد أن هناك آلية واحدة وضعت لاختيار ممثلى الأحزاب فى لجنة الـ 50، المنوط بها كتابة الدستور فى مصر على غير نظام المحاصصة السابق، وقدمت الأحزاب الليبرالية 2 من ممثليها واليسار واحدا والتيار القومى واحدا، وكان يفترض أن يكون هناك تمثيل مواز للأحزاب الإسلامية إلا أنها رفضت جميعها المشاركة باستثناء حزب النور، وهنا كان يجب أن يكون تمثيله فى اللجنة 2 بدلا من واحد حتى يطمئن قطاع من الشعب المصرى أن المعركة الحالية ليست ضد الشريعة كما يروج البعض، ولا مع الأحزاب التى تدافع عن الشريعة، إنما فى ممارسات جماعة سرية اسمهما الإخوان المسلمون، ورط قادتها البلاد والعباد فى كوارث وليس فقط أزمات. أما التوافق على مواد الدستور فلا بد أن يعكس توافقا مجتمعيا وسياسيا، وإذا أخذنا المادة 219 فى الدستور المعطل نموذجا، وتنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة، فهو نص ليس محل توافق بين الأطياف السياسية والاجتماعية المختلفة، وبالتالى هو يصلح لأن يكون مطلبا لحزب النور فى برنامجه الانتخابى يعمل على تنفيذه من خلال الانتخابات والآلية التى ستحكم عملية تغيير مواد الدستور فى المستقبل. أما المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، فهى محل توافق من التيارات الإسلامية والمدنية، رغم أن هناك بعض التيارات المدنية طالبت بالنص على مقاصد الشريعة وليس مبادئ الشريعة، وهو لم يكن محل توافق، وبالتالى من حقها أن تضعه فى برنامجها الانتخابى (وليس الدستور التوافقى)، وإذا حصلت على أغلبية برلمانية تسمح لها بتعديل النص الدستورى عبر الآلية المقترحة فعليها القيام بذلك. الدستور مشروع للتوافق وليس الشقاق المجتمعى والسياسى، وهو تحدٍ ليس سهلا علينا أن نعمل على تحقيقه. نقلًا عن "المصري اليوم"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الدستور التوافقى الدستور التوافقى



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 17:57 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

«حزب الله» يوسع رقعة استهدافات صواريخه إلى تل أبيب
المغرب اليوم - «حزب الله» يوسع رقعة استهدافات صواريخه إلى تل أبيب

GMT 21:05 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 04:31 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

قلة تناول "أوميغا 3" يؤدي إلى ضعف السلوك الاجتماعي

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الذهب يلامس قمة جديدة والفضة عند أعلى مستوى في 12 عاما

GMT 06:11 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

تعرف على توقعات أحوال الطقس في طنجة السبت

GMT 15:38 2014 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الحلاوة الطحينية

GMT 06:15 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

شركات الأقمشة تطرح تصميماتها الرائعة من حرير "الدمسق"

GMT 18:40 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عمرو أديب يستضيف إسلام البحيري بعد العفو الرئاسي عنه

GMT 18:34 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فلويد مايويذر يقوم بجولة يزور خلالها 8 مدن إنجليزية

GMT 19:41 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب الماء الصالح للشرب في مدينة بركان المغربية

GMT 03:47 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان السادات تنفي تورط مبارك في اغتيال الرئيس الراحل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib