لا للدستور

لا للدستور

المغرب اليوم -

لا للدستور

عمرو الشوبكي

إن أخطر ما فى الدستور الجديد ليس فقط المواد التى سبق أن اعترضنا عليها فى أكثر من مقال سابق نُشر فى «المصرى اليوم» (راجع مقال الأسبوع الماضى «5 أسباب لرفض الدستور»)، إنما أيضاً العقلية التى كتبت هذا الدستور بغرض تفصيله على مقاس تيار بعينه، وفتح الباب أمام سيطرته على مجمل العملية السياسية. والحقيقة أن الدستور الجديد فيه من المشكلات الكثير، خاصة بعد أن أصرت التيارات الإسلامية على عدم الاكتفاء بالتوافق الذى جرى مع التيارات المدنية حول المادة الثانية، التى تنص على أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، وأصرت على وضع أحكام الشريعة فى أكثر من جزء فى الدستور حتى وصلت إلى المادة 219، التى نصت على أن «مبادئ الشريعة الإسلامية تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة». وهو نص تفسيرى لا مبرر لوجوده فى أى دستور جديد، مثّل عامل فُرقة أكثر منه عنصر توافق، خاصة بعد أن تحفظت عليه قوى مدنية وإسلامية إصلاحية. وقد خلا الدستور من أى إشارة تتعلق بالتزام مصر بالمواثيق والمعاهدات الدولية فى مجال حقوق الإنسان بسبب الخوف من نوعية محدودة من المعاهدات تتناقض مع مبادئ الشريعة الإسلامية ومع قيم المجتمع وهويته الحضارية، وهى حجة لا تبرر عدم الالتزام بهذه المعاهدات التى تركز معظمها على تجريم التعذيب واحترام حقوق الإنسان، ووجود المادة الثانية من الدستور التى تنص على أن مبادئ الشريعة هى المصدر الرئيسى للتشريع يجعل هناك استحالة بأن توقع مصر على معاهدة فيها إخلال بهذا المبدأ، وأن الخوف من وجود نظام استبدادى يحكم باسم الشريعة أكبر بكثير من خطر وجود نظام مدنى يتجاهل أحكام الشريعة. أما المادة 229 التى نصت فى مسودتها الأولى على التالى: «تبدأ إجراءات انتخابات أول مجلس نواب خلال ستين يوماً من العمل بالدستور، وينعقد فصله التشريعى الأول خلال عشرة أيام على الأكثر من تاريخ إعلان النتيجة النهائية للانتخابات». التصويت: إجماع. هذا هو نص المسودة النهائية التى نشرتها «الأهرام» على موقعها الإلكترونى، ولم يكن بها نص الـ50٪ عمال وفلاحين. وفجأة قرر الإخوان إضافة هذا النص: «ويمثل العمال والفلاحون فى هذا المجلس بنسبة لا تقل عن 50٪ من عدد أعضائه، ويُقصد بالعامل كل من يعمل لدى الغير مقابل أجر أو مرتب، ويُقصد بالفلاح كل من امتهن الزراعة لمدة 10 سنوات على الأقل سابقة على ترشحه لعضوية المجلس، ويبين القانون المعايير والضوابط الواجب توافرها لاعتبار المرشح عاملاً أو فلاحاً». إن ما جرى مع هذه المادة يمثل تماماً ما كان يفعله مبارك ورجاله فى تفصيل القوانين والنصوص الدستورية على مقاسهم، فرغم أن الإخوان والسلفيين كانوا من أشد المعارضين لوجود هذه المادة فقد عادوا، وفى ساعات قليلة، وغيروا رأيهم نتيجة حسابات انتخابية بضم 50٪ من غير الممثلين للعمال والفلاحين إلى القوائم الانتخابية لضمان أغلبية بالتزوير الناعم فى الانتخابات المقبلة. والمفارقة أنه فى الوقت الذى نص فيه الدستور على نسبة 50% عمال وفلاحين فإننا لم نجد فى مصر منذ دستور 1923 هذا الكم المذهل من الاحتجاجات العمالية، فى نفس الوقت الذى فشلت فيه اتحادات العمال الرسمية ومعها نواب الـ«50%» عمال وفلاحين فى أن تكتسب أى مصداقية تذكر لدى جموع العمال، بعد أن حرصت «غير مشكورة» على الابتعاد عن كل ما له علاقة بالدفاع عن مطالبهم وحقوقهم. قد تكون نسبة الـ50% عمال وفلاحين مبررة فى فترة الستينيات، لكنها بعد نصف قرن على تطبيقها صارت معوقة أمام وجود تمثيل حقيقى وليس مصطنعاً للعمال والفلاحين، وأيضا أمام قيام نقابات مستقلة، لأنها لا تجعل هناك جهداً حقيقياً يُبذل لاختيار «عمال بجد» لديهم وعى نقابى وثقافة عامة ورؤية سياسية. إذا أردنا أن نبنى نظاماً ديمقراطياً حقيقياً يعطى فرصاً لممثلين حقيقيين للعمال والفلاحين يعتمدون على جهودهم ومهاراتهم، فلابد من إلغاء نسبة الـ50% عمال وفلاحين التى سهلت من مجىء عمال ليسوا بعمال، وفلاحين ليس لهم علاقة بالفلاحين، وأن تغييرها ليس فقط مطلباً ديمقراطياً، لكنه مطلب له علاقة بالاحترام والاتساق مع النفس ومحاربة التزييف والمتاجرة بهموم البسطاء من الناس. أما المادة 232 فقد نصت على منع قيادات الحزب الوطنى المنحل من ممارسة العمل السياسى والترشح للانتخابات الرئاسية والتشريعية لمدة 10 سنوات من تاريخ العمل بالدستور، ويُقصد بالقيادات كل من كان فى 15 يناير 2011 عضواً بالأمانة العامة للحزب الوطنى المنحل أو بلجنة السياسات أو بمكتبه السياسى، أو كان عضواً بمجلس الشعب أو الشورى فى الفصلين التشريعيين السابقين. وجاءت هذه الحملة فى إطار صراع على السلطة ولا علاقة لها بأى موقف مبدئى مارسه الإخوان وحلفاؤهم ضد من سموهم «الفلول»، وهو موقف كان يمكن قبوله فى حال تبنى الإخوان مساراً واحداً ومستقيماً حول هذه المسألة، والحقيقة كانت عكس ذلك تماما فقد تم توظيف موضوع الفلول تبعاً لمصلحة الإخوان، فإذا كانوا من المعارضين حتى لو كانوا قضاة شرفاء فهم من الفلول وجزء من النظام القديم، وإذا كانوا أعضاء سابقين فى الحزب الوطنى لكنهم من رجال الأعمال ومن حلفاء النظام الجديد فهم تكنوقراط شرفاء ورجال صناعة يخدمون البلد. إن تفصيل بعض مواد الدستور على مقاس مصالح الإخوان بالحديث عن لجنة السياسات فى نص دستورى، والتى كانت فى الحقيقة أمانة ضمن أمانات أخرى 13 «أمانة»، منها مثلاً أمانة اللجنة الاقتصادية، وأمانة التنظيم التى هيمن عليها كثير من رموز العصر الفاسد، فلم يتطرق النص الدستورى لها، لأن هناك تواصلاً مع كثير من رجال الأعمال من أعضاء اللجنة الاقتصادية رغم أن كثيراً منهم كانوا جزءاً أصيلاً من منظومة الفساد والاستبداد التى نهبت الشعب وزوّرت الانتخابات. للأسف الشديد إن المتاجرة بموضوع الفلول بنص دستورى يعكس فشل الإخوان فى تفكيك «منظومة الفلول»، أى المنظومة القديمة، وهذا هو معيار النجاح الحقيقى. إن عملية الإصلاح والتطهير فى التجارب التى أسست لنظم ديمقراطية وليس استبدادية تحت ستار الدين أو الثورة أو الاشتراكية، هى التى حاسبت مرتكبى الجرائم من رجال النظم القديمة ولم تصف الحسابات أو تنتقم من «الأشخاص» بنص دستورى، كما جرى فى مصر، وعملت على وضع منظومة جديدة تماماً تحول دون إعادة إنتاج «فلول» جدد مع النظام الجديد. ما الذى فرق فى الإعلام الحكومى حين تغير الوزير من عضو فى الحزب الوطنى إلى عضو فى جماعة الإخوان، أو حين تغير رؤساء تحرير الصحف من مقربين من الحزب الوطنى إلى مقربين من الإخوان المسلمين، هل تغيرت المنظومة القديمة فى شىء؟ لا شىء، وما هو سر الإصرار على إصدار قانون يتمسك بدور اتحاد العمال القديم رغم أن معظم أعضائه كانوا من الحزب الوطنى، إلا إذا كان الأمر مفيداً لسلطة الإخوان وحكمهم، وعند هذه الحالة ينسون تماما أنهم «فلول». فمنظومة الفلول التى يتمسك بها الإخوان هى الأخطر على مصر من أى أشخاص، حتى لو كانوا فلولاً، وكارثة أن يكرس الدستور الجديد هذا الفهم المبتسر لقضية الفلول. إن الدستور الحالى يكرس فى العديد من مواده معانى ملتوية ومعايير مزدوجة وغير واضحة تماما، مثلما كان يفعل النظام السابق. على المصريين أن يرفضوا دستور اللون الواحد والحزب الواحد الذى يؤسس لنظام غير ديمقراطى قد يكون أسوأ من النظام السابق. نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"  

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا للدستور لا للدستور



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 16:57 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

حذار النزاعات والمواجهات وانتبه للتفاصيل

GMT 09:02 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة الفنان المصري حسن يوسف اليوم عن عمر يناهز 90 عاماً

GMT 21:31 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بورصة الدار البيضاء تفتتح التداولات بـ "ارتفاع"

GMT 20:59 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أهم توصيات مؤتمر الموثقين بمراكش

GMT 11:42 2017 الثلاثاء ,05 أيلول / سبتمبر

فك لغز مقتل أستاذ جامعي في الجديدة

GMT 10:02 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

وكالة ناسا ترصد صخرة «وجه الإنسان» على كوكب المريخ

GMT 17:57 2016 الأربعاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

زلزال يضرب "بحر البوران" قبالة سواحل مدينة الحسيمة

GMT 05:37 2020 السبت ,16 أيار / مايو

طريقة عمل غريبة بالسميد وجوز الهند

GMT 02:12 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

استمتع برحلة تلتقي فيها الشاعرية مع التاريخ في لشبونة

GMT 21:25 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

انتحار الصحافي رشيد بوغة في مدينة تيفلت
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib