عمرو الشوبكي
كلمة الرئيس مرسى مساء يوم الخميس عكست عمق الانفصال بين طريقة تفكير جماعة الإخوان التى يمثلها وبين عموم المصريين، فقد تحدث الرئيس على اعتبار أن الدستور الذى كتبته جماعته معبر عن الأمة، وأن الاستفتاء الذى أصر على إجرائه فى موعده، رغم إعلان الغالبية الساحقة من القضاة عدم إشرافهم عليه، أمر غير قابل للنقاش. والحقيقة أن المعضلة ليست فى قرار اتخذه مرسى محل جدل إنما فى مسار متكامل من أجل الهيمنة على كل مؤسسات الدولة وإقصاء كامل للمعارضين يقابله فشل كامل فى حل مشكلات البلاد، وعدم وجود أى رؤية أو قدرة على إصلاح أى مؤسسة من مؤسسات الدولة، فالهدف الوحيد هو إحلال قيادة الإخوان محل القيادات القديمة على اعتبار أنهم من «الفلول»، وليس إجراء أى إصلاح فى بنية أى مؤسسة سيطر عليها الإخوان من الإعلام إلى بعض المحافظات.
ولعل الخطوة الأولى فى طريق التعثر تتمثل فى تصور الجماعة ورئيسها أن النجاح فى بناء تنظيم قوى وآلة انتخابية كفؤة يكفى لإدارة الدولة ومؤسساتها، وأن تفاعل الجماعة مع المجتمع والنقابات والبرلمان كقوة معارضة يكفى لنجاحها فى إدارة الدولة، وأن مهارات الهروب من الأجهزة الأمنية والصبر أثناء الاعتقال يكفيان لإدارة شؤون البلاد وتقديم رؤى إصلاحية حقيقية للتعامل مع مؤسساتها.
لقد ركز «رئيس لكل الجماعة» جهوده على استهداف مؤسسات الدولة، فبدأ بمواجهة السلطة القضائية التى شكك فى نزاهتها رغم أنها هى التى أوصلته إلى سدة الرئاسة، وأصرت جماعته على كتابة مسودة دستور صادمة لقطاع واسع من المصريين، وأصدر إعلاناً دستورياً عنونه بشعارات ثورية لكى يخفى الهدف الحقيقى من وراء صدوره فى الهيمنة غير الديمقراطية على البلاد.
إن توظيف موضوع القصاص للشهداء من أجل تمرير قرار إقالة النائب العام خارج إطار القانون، والحديث عن إعادة محاكمة الضباط المتهمين بقتل المتظاهرين فى حال ظهرت أدلة جديدة، ومن المؤكد لن تظهر أدلة جديدة، يدلان على أن هذا الإعلان ليس له علاقة بالثورة وأهدافها.
إن هذا الإعلان الدستورى جعل لأول مرة رئيس الجمهورية فى مواجهة مفتوحة مع السلطة القضائية، وأيضاً فى وضع غير مريح مع وزارة الداخلية التى فشل فى إصلاحها وإعادتها للعمل بصورة طبيعية، حيث أصر الخطاب الإخوانى على النظر إليها وفق نظرية المؤامرة نتيجة فشله فى وضع «كود مهنى» قادر على إصلاحها وليس «كود انتقامى وانتقائى» يضعف من أدائها.
إن الإعلان الدستورى ساهم فى انفصال رئيس لكل الجماعة عن مؤسسات الدولة، وفى نفس الوقت لم ينجح فى إقناع الشباب الثورى بأن قراراته هى من أجل الدفاع عن الثورة، كما لم يقنع أيضا رجال القضاء والشرطة بأنه يحافظ على مؤسسات الدولة ولا يبغى تصفية الحسابات معها وإفقادها استقلاليتها وحيادها المهنى، وهذا فشل مزدوج وغير متكرر فى تاريخ الجمهورية المصرية.
مبارك سقط رغم ولاء المؤسسات له لأن الشعب ثار ضده، ومرسى يورط مؤسسات الدولة، خاصة القضاء فى معارك جماعته وهى أقل ولاء له من مبارك، فى نفس الوقت الذى فقد فيه تأييد جزء كبير من الشارع، فهل سيصمد مرسى معتمداً على أنه رئيس لكل الجماعة، أم سيضطر إلى التراجع بفضل الاحتجاجات السلمية، وفقط السلمية، لملايين المصريين؟.. هذا ما ستثبته الأيام القادمة.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"