عمرو الشوبكي
فارق كبير بين أن يطالب البعض بتغيير الدستور دون أن يقرأوه، وبين أن يطالب البعض الآخر بتغيير بعض مواده فى حال ثبت فى الممارسة العملية أنها تحتاج لمراجعة. النوع الأول طل علينا فى هستيريا نادرة وغير مسبوقة ليقول لنا إن صلاحيات البرلمان أكبر من الرئيس (وهو غير صحيح)، وأن الأول قد يعطل الأخير، وهو طلب غريب فى ظل غياب البرلمان، وفى حالة وجوده سيكون مؤيدا فكيف يمكن اعتباره معطلا وهو من الأصل لم ينتخب بعد؟
الحقيقة أن معضلة هذا النوع من الكلام المرسل أنه جزء من حالة عامة تؤكد كل يوم عمق الأزمة التى وصلنا إليها فى مصر، حين يفتعل البعض حروبا وهمية لا علاقة لها بجوهر المشاكل التى يعانى منها المجتمع المصرى، وبدلا من أن نتحدث عن مشاكل الفقر والأمية وغياب العدالة ومحاربة الفساد والإرهاب، نتحدث عن صلاحيات الرئيس فى مواجهة برلمان لم ينتخب أصلا.
فارق كبير بين أن يرى البعض أن مدة الرئيس يجب أن تكون 5 سنوات (مثل البرلمان) بدلا من 4، وبين أن يقول افتحوا مدد الرئاسة واتركوا رئيس الجمهورية فى السلطة مدى الحياة، فالأول هو اجتهاد سياسى لديه وجاهة ومبررات موضوعية، والثانى دعوة لتكريس الاستبداد والنظم الفاشلة.
الدستور نص على أن الرئيس هو الذى يختار فى المرة الأولى الحكومة ويطلب موافقة البرلمان كما يحدث فى كل النظم السياسية بما فيها نظام مبارك، صحيح أنه فى حال رفض البرلمان «حكومة الرئيس» يعطى له الحق فى تشكيلها من خلال الحزب أو الائتلاف الأكبر، وإذا فشل يحل البرلمان.
إن الاختيار الأول للرئيس والثانى للبرلمان، وهناك من يرى وله وجاهة فى هذا الطلب أن يعاد الأمر لمرة ثالثة للرئيس لتشكيل الحكومة، وفى حال كرر البرلمان رفضه يحل، وهو اقتراح لم ينل أغلبية داخل لجنة الخمسين، ومن الوارد إعادة بحثه مرة أخرى، أما أن يتصور البعض أن هناك برلمانا فى الدنيا حتى فى النظم الديكتاتورية لا يوافق على تشكيل الحكومة، فهو هنا يخترع نظاما جديدا «فوق استبدادى».
وهناك من يرى أيضا أن المادة 144 غير موجود شبيه لها فى أى دستور فى العالم (يمكن أن نجدها فى القوانين) والخاصة بالذمة المالية وراتب رئيس الجمهورية، فقد جاءت فى 12 سطرا، وتحدثت عن أنه: لا يجوز له أن يتقاضى أى راتب أو مكافأة أخرى ولا يجوز أن يزاول طوال مدة توليه المنصب بالذات أو الواسطة مهنة حرة أو عملا تجاريا أو ماليا أو صناعيا أو يشترى أو يستأجر شيئا من أموال الدولة أو أى من أشخاص القانون العام أو شركات قطاع الأعمال أو قطاع الأعمال العام، ولا أن يؤجرها أو يبيعها شيئا من أمواله ولا أن يقايضها عليه ولا أن يبرم معها عقد التزام أو توريد أو مقاولة أو غيرها ويقع باطلا أى من هذه التصرفات... إلخ.
ووصف أحد أعضاء لجنة الخمسين، وهو المهندس محمد سامى، هذه المادة بأنها تنظر لرئيس الجمهورية باعتباره «مسجل خطر»، وكنت أيضا من الداعين لاختصارها ووضع التفاصيل فى نص قانونى وليس دستوريا، ولولا الخبرة السلبية السابقة فى الفساد وعدم الشفافية لما وجدت هذه المادة فى الدستور.
هناك مواد مقبول أن يجرى حولها نقاش تماما مثلما هناك مواد أخرى قد تحتاج إلى مراجعة، إلا أن هناك خطا فاصلا بين من يرغب فى تغيير مادة فى الدستور من أجل بناء نظام سياسى قادر على العمل والتقدم، وبين من يتصور أنه بالص
لاحيات المطلقة يمكن خلق نظام قادر على الإنجاز ولو فى مجال واحد.