صمت الدولة

صمت الدولة

المغرب اليوم -

صمت الدولة

عمرو الشوبكي

الحوار حول حدود دور الدولة فى المجال العام محل نقاش واسع داخل مصر وخارجها، وحديث الأستاذ عصام شيحة فى مقال أمس عن أنى اختزلت دور الدولة فى مؤسساتها الرسمية، وعبّر فيه عن قلق مشروع حول العودة إلى نموذج الدولة التعبوية التى تخنق المجتمع عبر أدواتها المختلفة.

والحقيقة أن هذا ليس موقفى ولا جوهر فكرة مقال «الدولة الصامتة»، الذى علق عليه الأستاذ عصام، لأن المطلوب هو أن تلعب الدولة دورها فى تنظيم المجال العام والسياسى، كما هو مستقر فى النظم الديمقراطية وليس الشمولية.

والحقيقة أن تحرك المجتمع المصرى فى 25 يناير و30 يونيو كان عاملا رئيسيا فى تغيير نظامين، وأن ما جاء فى مقال أمس «أبدا لم تصمت الدولة» للأستاذ عصام شيحة عن أن الدولة لم تصمت هو صحيح، ولكنه ليس الدولة كما تعرفها الأدبيات القانونية والسياسية، فالدولة كيان محايد ومؤسسى، كل من يعمل فيه يحمل اسم «الموظف العام»، وتضم الجيش والشرطة والقضاء والإدارة والمؤسسات العامة (كالإعلام المملوك للدولة)، وبالتالى فإن القول بأن «صوت الدولة قد علا فى الميادين ومؤسسات المجتمع المدنى هو أمر فيه خلط بين الدولة التى صمتت والمجتمع الذى لم يصمت».

أما التخوف المشروع بأن حديثى عن الدولة الصامتة قد يُفهم منه أنه دعوة لاستدعاء «الدولة التدخلية» مرة أخرى، التى تهندس حياة الأفراد، وتهيمن على تفاصيل شؤونهم الخاصة والعامة، وتقمعهم إذا لزم الأمر، هو تقريبا عكس ما أقصده.

والحقيقة أن دور الدولة فى كل النظم الديمقراطية هو دور «المنظم» للمجال العام وليس المهيمن، وهو فارق كبير يساوى الفرق بين الديمقراطية والاستبداد، ولنضرب بعض الأمثلة فى مصر لتوصيل المعنى: هل يجب على الدولة «غير الصامتة» أن تضع القواعد التى تنظم مثلا عمل الإعلام من الناحية المهنية أم توجهه وتصدر له أوامر لكى يقول كذا أو لا يقول؟ والحقيقة أن فى مصر الدولة صامتة عن القيام بمهمتها، أى تنظيم الإعلام، فى حين أن تدخلها فى عمله لا يعنى أنها غير صامتة، لأن مهمتها هى تنظيمه وليس توجيهه وهو ما لم تفعله.

مثال آخر، حرق موظفى وزارة التربية والتعليم الكتب فى فناء مدرسة، ثم تظاهرهم داخل الوزارة احتجاجا على تحويل المسؤول عن هذه الجريمة للتحقيق، والحقيقة أن مشكلة «الدولة الصامتة» فى هذه القضية كبيرة، فهؤلاء موظفون عموميون وليسوا مجرد جزء من الرأى العام، ولا أعضاء فى جمعية أهلية أو حزب سياسى، والسؤال: «ماذا فعلت الدولة لكى تبث فيهم قيماً أخرى غير حرق الكتب، وهل الدولة مسؤولة عن بث نمط من الشعارات الوطنية دفعت بهؤلاء إلى ممارسة سلوك داعشى بامتياز بحرق الكتب فى فناء مدرسة حكومية (تابعة للدولة) وهم يرفعون علم مصر، والأخطر أنهم اعتبروا أن هذا أمر عادى لا يستحق أى مساءلة؟».

أليست أيضا الدولة صامتة حين وقفت تتفرج (وستتفرج) على الملايين التى أُنففت على الدعاية الانتخابية قبل حكم المحكمة الدستورية ببطلان قانون الانتخابات، وضرب أصحاب هذه الملايين بعرض الحائط الحد الأقصى للإنفاق المالى الذى نص عليه القانون، وفتحت الباب أمام تدخل فج وسافر للمال السياسى فى العملية الانتخابية؟

والحقيقة أن الأمثلة على صمت الدولة لا تُعد، وأن كثيرا من الجرائم والخطايا التى تحدث فى السياسة والاقتصاد والثقافة وباسم الدين ترجع إلى أن الدولة صامتة، لا تقوم بدورها فى تنظيم المجال العام ومحاسبة من يخرج على القانون والدستور، وهذا هو دورها الغائب أو المُغيب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صمت الدولة صمت الدولة



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 16:57 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

حذار النزاعات والمواجهات وانتبه للتفاصيل

GMT 09:02 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة الفنان المصري حسن يوسف اليوم عن عمر يناهز 90 عاماً

GMT 21:31 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بورصة الدار البيضاء تفتتح التداولات بـ "ارتفاع"

GMT 20:59 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أهم توصيات مؤتمر الموثقين بمراكش

GMT 11:42 2017 الثلاثاء ,05 أيلول / سبتمبر

فك لغز مقتل أستاذ جامعي في الجديدة

GMT 10:02 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

وكالة ناسا ترصد صخرة «وجه الإنسان» على كوكب المريخ

GMT 17:57 2016 الأربعاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

زلزال يضرب "بحر البوران" قبالة سواحل مدينة الحسيمة

GMT 05:37 2020 السبت ,16 أيار / مايو

طريقة عمل غريبة بالسميد وجوز الهند

GMT 02:12 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

استمتع برحلة تلتقي فيها الشاعرية مع التاريخ في لشبونة

GMT 21:25 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

انتحار الصحافي رشيد بوغة في مدينة تيفلت
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib