المراجعة المعكوسة

المراجعة المعكوسة

المغرب اليوم -

المراجعة المعكوسة

عمرو الشوبكي

أعلنت جماعة الإخوان المسلمين عن مراجعات فكرية وتنظيمية وإعادة تقييم تجربتها فى الحكم والمعارضة، وتجديد بنيتها التنظيمية بضخ وجوه جديدة وتغيير 60% من قيادتها، وانتقالها من «الإصلاحية إلى الثورية»، وإلى تبنيها سياسة تغيير النظام القائم جذرياً وليس إصلاحه.

والحقيقة أن ما قاله مؤخرا أحد قيادات الجماعة المقيمين خارج مصر، والمسؤول عن هذه «الرؤية الجديدة»، بأن الجماعة تمثل فقط 30% من الحراك «الثورى» الذى تشهده مصر (يقصد المظاهرات التى يشارك فيها العشرات ولا تنقلها أى قناة فى الدنيا إلا الجزيرة)، وأنهم يعترفون بأنهم أداروا البلاد بشكل منفرد، وأنهم استبعدوا باقى القوى الثورية، ووعوا الدرس وعرفوا أنهم لن يُسقطوا «الانقلاب»- على حد تعبيرهم- إلا بوحدة كل القوى الثورية التى تعتبر الإخوان أحد فصائلها وليس الفصيل الوحيد.

والحقيقة أن جماعة الإخوان عاشت 80 عاما على فكرة محورية تقوم على أن تغيير المجتمع يتم من خلال الدعوة، وإذا أصبح أغلب المجتمع مؤمنا بخطاب الجماعة فسيتغير النظام دون الحاجة إلى أحزاب أو عملية سياسية وانتخابية.

أما الثورة فقد قامت كل أدبيات الجماعة وكتابات مرشدها وزعيمها الأول، الراحل حسن البنا، على رفضها تماماً وعلى اعتبارها خطراً يهدد المجتمع، وكرر «البنا» هذه الأفكار فى كتابيه الشهيرين «رسائل الإمام حسن البنا»، و«مذكرات الدعوة والداعية»، ومعه كل قيادات الجماعة عبر تاريخها الممتد.

وحتى تعريف الجماعة لنفسها كان دائما تعريفا عاما وفضفاضا، فيه كل شىء وعكسه، فمثلا يقول «البنا»:

«أيها الإخوان، أنتم لستم جمعية خيرية ولا حزبا سياسيا ولا هيئة موضوعية لأغراض محدودة المقصود، ولكنكم روح جديدة تسرى فى قلب هذه الأمة فتحييه بالقرآن، ونور جديد يشرق فيبدد ظلام المادة بمعرفة الله، وصوت داو يعلو مردداً دعوة الرسول، ومن الحق الذى لا غلو فيه أن تشعروا بأنكم تحملون هذا العبء بعد أن تخلى عنه الناس».

وبنت الجماعة رؤيتها على مفهوم العقيدة الدينية الشاملة والكلية التى تتبنى مقولات عامة ومطلقة، وهذا النوع من الأيديولوجيات انتهى تقريبا من العالم بنهاية الشيوعية، والوطنية الفاشية، والقوميات المستبدة (البعث ونظام القذافى وغيرهما)، وأن صورته الدينية تمثل أخطر صوره، لأنها تبدو ناعمة فى مرحلة الاستضعاف والبعد عن السلطة، وتتحول إلى تجارب خشنة وشرسة بمجرد الاقتراب من السلطة.

والحقيقة أن هذا ما جرى مع رحلة جماعة الإخوان المسلمين، فالجماعة بنت تنظيما دينيا ودعويا وسياسيا ثبت بالدليل القاطع فشله فى الحكم، وأن المراجعة المطلوبة التى كان يجب على الجماعة القيام بها كانت قبل وصولها للسلطة، وذلك بالفصل بين الجماعة الدينية الدعوية والحزب السياسى، والتمييز بشكل قاطع بين المجال السياسى الحزبى والمجال الدينى الدعوى.

والحقيقة أن البنية العقائدية المطلقة للجماعة، والتى ارتدت ثوبا محافظا وإصلاحيا طوال العقود الماضية، (قبل وصولها للسلطة)، عادت بعد خروجها منها وإسقاط الشعب حكمها وتحولت لجماعة ثورية! فهل هذا أمر يعقل؟ وهل يمكن أن نجد جماعة أو تنظيما أو حزبا أسس شرعيته على مدار 80 عاما على فكرة الإصلاح الدينى والسياسى (بصرف النظر عن صحتها) يتحول إلى الشرعية الثورية ويتحالف مع جماعات سياسية هامشية نتيجة علاقته الثأرية بالنظام الجديد، فهل نحن أمام مشروع ثورة أم انتقام؟

والحقيقة أن مراجعة الإخوان تجربتها، والقول إنها حكمت بشكل منفرد وإن الحل فى أن تحكم بالشراكة مع قوى الثورة، ممثلة فى 6 إبريل وبعض الجماعات الثورية والشخصيات التى تعيش خارج مصر، باعتبار أن هؤلاء يمثلون غالبية الشعب المصرى، هو بمثابة كارثة حقيقية وغيبوبة كاملة تعكس انفصال الجماعة عن الواقع.

فكل القوى التى تدعى أنها حليفة للجماعة، وكتبت معها وثيقتها الجديدة ورؤيتها الاستراتيجية، هى تمثل جزءا محدودا جدا من الشعب المصرى، وأن مراجعة الإخوان الحقيقية ستبدأ حين تعترف بأن هناك كتلة جماهيرية هائلة من الشعب المصرى (نراها غالبة) أيدت تدخل الجيش فى 3 يوليو وانتخبت السيسى رئيسا للجمهورية عن قناعة فى جانب، ورفضا للإخوان فى جانب آخر.

وحين تقول الجماعة إنها تراجع نفسها وتنتقل من جماعة محافظة إلى ثورية دون أن تغير شيئا فى أيديولوجيتها المطلقة، ثم تعلن تحالفها مع قوى الهامش الاحتجاجى وتنسى ملايين من أبناء الشعب المصرى الذين رفضوا حكمها، ولم تقدم لهم اعتذارا أو مراجعة أو اعترافا بالخطأ، إنما اعتذرت للقوى الاحتجاجية الهامشية، نصبح أمام مشكلة كبيرة.

أزمة مراجعة الإخوان أنها ذهبت فى الاتجاه الخاطئ، وأن حجتها أن النظام الحالى لا يرغب فى الحوار والمصالحة، بما يعنى ضرورة مواجهته، تدل على أن كل حساباتها بُنيت على موقفها من السلطة، وغابت أى حسابات تتعلق بالشعب.

فليس مهماً أن يموت مئات المصريين ضحايا قنابل الإخوان، ولا أن تسقط أبراج الكهرباء على رؤوس الناس، ولا أن يموت المئات ضحايا تفجير القطارات، إنما المهم أن تعود الجماعة إلى الحكم وهى مرتدية ثوب الثورية.

المراجعة الحقيقية ستبدأ بأن تعترف الجماعة بفشلها، وأن تقر بوجود ملايين المصريين يعارضونها ويرفضون حكمها، وإذا اعترفت بوجودهم فستحتاج إلى كيان آخر جديد يتواصل مع هؤلاء ويقر بوجودهم وشرعيتهم، وهذا يتطلب مراجعة معكوسة تجعل الجماعة تنظر للواقع الحقيقى كما هو، وليس كما يتخيله قادتها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المراجعة المعكوسة المراجعة المعكوسة



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 16:57 2020 الجمعة ,10 إبريل / نيسان

حذار النزاعات والمواجهات وانتبه للتفاصيل

GMT 09:02 2024 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

وفاة الفنان المصري حسن يوسف اليوم عن عمر يناهز 90 عاماً

GMT 21:31 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

بورصة الدار البيضاء تفتتح التداولات بـ "ارتفاع"

GMT 20:59 2024 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

أهم توصيات مؤتمر الموثقين بمراكش

GMT 11:42 2017 الثلاثاء ,05 أيلول / سبتمبر

فك لغز مقتل أستاذ جامعي في الجديدة

GMT 10:02 2024 الجمعة ,11 تشرين الأول / أكتوبر

وكالة ناسا ترصد صخرة «وجه الإنسان» على كوكب المريخ

GMT 17:57 2016 الأربعاء ,26 تشرين الأول / أكتوبر

زلزال يضرب "بحر البوران" قبالة سواحل مدينة الحسيمة

GMT 05:37 2020 السبت ,16 أيار / مايو

طريقة عمل غريبة بالسميد وجوز الهند

GMT 02:12 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

استمتع برحلة تلتقي فيها الشاعرية مع التاريخ في لشبونة

GMT 21:25 2018 الخميس ,25 تشرين الأول / أكتوبر

انتحار الصحافي رشيد بوغة في مدينة تيفلت
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib