التسويات السياسية 12

التسويات السياسية (1-2)

المغرب اليوم -

التسويات السياسية 12

عمرو الشوبكي

شاركت الأسبوع الماضى فى ندوة حول التفاوض والتسويات السياسية فى تونس العاصمة، وفُتح فيها النقاش حول مفهوم بدا أنه مدان فى الحياة السياسية المصرية، وهو فكرة التفاوض بين فرقاء الساحة السياسية، سواء كان بين النظام القائم والمعارضة أو بين التيارات السياسية المختلفة.

وقد ترسخ على الساحة السياسية المصرية بدرجة كبيرة تجريم التفاوض بين التيارات السياسية المختلفة، سواء كانت بين القوى الثورية وغير الثورية، أو بين التيارات المدنية والإسلامية، حتى أصبحت فكرة التفاوض والحوار مجرمة فى حد ذاتها، رغم أن كل تجارب التحول الديمقراطى الناجحة فى أوروبا الشرقية وأمريكا الجنوبية، وكل من إسبانيا والبرتغال وجنوب أفريقيا وغيرها، اعتمدت على فكرة الحوار والتفاوض بين فرقاء الساحة السياسية، وإن الإدانة والترحيب يكونان مرتبطين عادة بنتائج الحوار وليس بالحوار فى حد ذاته.

وقد قدمت فى هذا المؤتمر ورقة مهمة عن تجربة جنوب أفريقيا فى التفاوض، وأهميتها فى كون هذا البلد يمثل نموذجا للتمييز العنصرى وليس فقط نظاما غير ديمقراطى، واضطر فيه حزب المؤتمر الوطنى بزعامة الراحل العظيم نيلسون مانديلا أن يحمل السلاح من أجل انتزاع حقوق شعبه والقضاء على نظام الفصل العنصرى.

ومع ذلك لم تُحل الطبيعة الخاصة لنظام جنوب أفريقيا دون بدء مفاوضات بين النظام وأركان حزب المؤتمر تمهيداً لإعلان التسوية السياسية، وبدأت المباحثات حول المستقبل الدستورى لجنوب أفريقيا سراً أولاً وبصورة غير رسمية بين مانديلا، الذى كان وقتها مازال مسجونا، وبين أحد الوزراء الكبار فى حكومة الفصل العنصرى فى 1985. أحدثت هذه المباحثات جدلاً داخل حزب المؤتمر الوطنى الأفريقى، الذى خشى البعض من قادته أن يقوم مانديلا بإبرام اتفاق مع حكومة الفصل العنصرى دون الرجوع للحزب.

واقترحت الحكومة العنصرية فى البداية نظاما دستوريا جديدا يستند لكيان فيدرالى أو كونفيدرالى، يمكّن السود من المشاركة فى العملية السياسية وصولاً إلى مجلس الوزراء. وقامت الحكومة أيضاً باقتراح تكوين مجلس قومى للتفاوض حول دستور جديد يتم عرضه على البرلمان الأبيض.

ورفضت حركة التحرير هذا الاقتراح لأنه كان مازال يعتمد على التفرقة العنصرية، وكان سيعمل على أن تظل السلطة العليا فى يد البيض، وطالبت بالتفاوض على نظام دستورى جديد يعطى حقوقا متساوية للبيض والسود على السواء، بالإضافة إلى مطالبتها بالإفراج عن المسجونين السياسيين والممارسة الحرة للسياسة، ورفع الحظر عن الكيانات السياسية والحصول على كافة الحقوق الدستورية.

وقد أسفرت المفاوضات الطويلة والصعبة بين الجانبين عن إعلان الرئيس دى كليرك، فى فبراير 1990، عن رفع الحظر عن حزب المؤتمر الوطنى الأفريقى، والإفراج عن قادته السياسيين بمن فيهم مانديلا، وأعقب ذلك الإعلان بدء المباحثات الرسمية فى مؤتمر إرساء مبادئ الديمقراطية فى جنوب أفريقيا (كوديسا 1) فى ديسمبر 1991، والذى فتح الباب فى السابع والعشرين من إبريل 1994 أمام إجراء أول انتخابات ديمقراطية فى جنوب أفريقيا. وجرى العمل بالدستور المؤقت وانتُخب نيلسون مانديلا رئيساً للبلاد، وشغل الرئيس السابق، دى كليرك، منصب أحد النائبين.

جنوب أفريقيا مثلت تجربة نجاح مؤكد عبر مسار تفاوضى صعب وقاس، كثيرا ما تعرض فيه المفاوضون لاتهامات حادة، إلا أن إيمانهم بضرورة التغيير ونقل البلاد للأمام جعلهم يتعاملون مع التفاوض كوسيلة هدفها بناء الديمقراطية والمساواة، فلم يتوهوا فى تفاصيلها ولم يستسلموا لرذاذ التخوين لأنهم بدأوا من سقف منخفض كما جرى فى بلاد أخرى غابت عنها ثقافة التفاوض وفشلت فى الوصول إلى توافقات كبرى وتاريخية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التسويات السياسية 12 التسويات السياسية 12



GMT 14:47 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

حرب اعتزاز ومذكرة مشينة

GMT 14:46 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شالوم ظريف والمصالحة

GMT 14:44 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

العدالة... ثم ماذا؟

GMT 14:42 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

لبنان وسؤال الاستقلال المُرّ

GMT 14:40 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

شاورما سورية سياسية مصرية

GMT 14:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

الحضارة بين العلم والفلسفة أو التقنية والإدارة

GMT 14:01 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

استقرار لبنان... رهينة التفاوض بالنار

GMT 13:59 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

تغييرات في تفاصيل المشهد

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 15:24 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة
المغرب اليوم - أفكار لتوزيع قطع الأثاث حول المدفأة

GMT 17:57 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

«حزب الله» يوسع رقعة استهدافات صواريخه إلى تل أبيب
المغرب اليوم - «حزب الله» يوسع رقعة استهدافات صواريخه إلى تل أبيب

GMT 21:05 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تنتظرك أجواء هادئة خلال هذا الشهر

GMT 04:31 2017 الجمعة ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

قلة تناول "أوميغا 3" يؤدي إلى ضعف السلوك الاجتماعي

GMT 23:34 2024 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

الذهب يلامس قمة جديدة والفضة عند أعلى مستوى في 12 عاما

GMT 06:11 2017 السبت ,17 حزيران / يونيو

تعرف على توقعات أحوال الطقس في طنجة السبت

GMT 15:38 2014 الإثنين ,08 كانون الأول / ديسمبر

فوائد الحلاوة الطحينية

GMT 06:15 2017 الأربعاء ,25 كانون الثاني / يناير

شركات الأقمشة تطرح تصميماتها الرائعة من حرير "الدمسق"

GMT 18:40 2016 الثلاثاء ,13 كانون الأول / ديسمبر

عمرو أديب يستضيف إسلام البحيري بعد العفو الرئاسي عنه

GMT 18:34 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

فلويد مايويذر يقوم بجولة يزور خلالها 8 مدن إنجليزية

GMT 19:41 2016 الخميس ,08 كانون الأول / ديسمبر

تسرّب الماء الصالح للشرب في مدينة بركان المغربية

GMT 03:47 2017 الخميس ,05 تشرين الأول / أكتوبر

جيهان السادات تنفي تورط مبارك في اغتيال الرئيس الراحل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib