حسن نافعة
أتاح المؤتمر الدولى، الذى نظمته الأمم المتحدة لمناقشة قضية العنف الذى يمارس ضد المرأة، فرصة ثمينة أمام النظام السياسى المصرى الجديد لإثبات أن موقفه من قضايا حقوق الإنسان، بصفة عامة، وحقوق المرأة، بصفة خاصة، يتطور نحو الأفضل، وأن تيار الإسلام السياسى، الذى يسيطر على هذا النظام فى المرحلة الراهنة يتبنى مواقف وسطية معتدلة، يمكن أن تسهم بدور إيجابى فى بناء توافق عالمى، يأخذ فى اعتباره خصوصية الثقافات والحضارات المختلفة، ويحترم هذه الخصوصية فى الوقت نفسه. ولم يكن انتهاز هذه الفرصة يحتاج من الدكتور مرسى إلى أكثر من إعلان دعمه الشخصى لوفد مصر الرسمى فى هذا المؤتمر وتكليف رئيسته، السفيرة ميرفت التلاوى، بإلقاء كلمة باسمه فى هذا المؤتمر. وعندما قرر الرئيس تكليف مساعدته للشؤون السياسية، التى كانت فى طريقها إلى واشنطن للقيام بمهمة أخرى، بالتوجه إلى نيويورك لإلقاء كلمة مصر الرسمية فى المؤتمر، تصور البعض أنه أراد بهذه الخطوة أن يعبر عن اهتمامه الشخصى بالقضايا المطروحة على جدول أعمال المؤتمر، وفى الوقت نفسه دعم الموقف التفاوضى لوفد مصر الرسمى. غير أن قيام جماعة الإخوان المسلمين بإصدار بيان شديد اللهجة يعبر فيه عن رفضه الوثيقة التى يناقشها المؤتمر، حتى من قبل أن تصدر فى صيغتها النهائية، كشف الأهداف الحقيقية لهذه الخطوة.
والواقع أن افتقار مساعدة رئيس الجمهورية الشابة إلى الخبرة الكافية، سواء فى مجال العمل الدبلوماسى، أو فى مجال الحركة النسوية، أفرغ الخطوة التى أقدم عليها الرئيس من أى مضمون إيجابى، خصوصا أن الكلمة التى ألقتها فى المؤتمر بدت خارج السياق تماما، حيث أسهبت فى الحديث عن حقوق المرأة الفلسطينية المنتهكة من جانب الاحتلال الإسرائيلى، ولم تتعرض إلا لماماً للخطوات التى تقوم بها الحكومة المصرية، أو التى تعتزم القيام بها، لمنع العنف ضد المرأة المصرية بمختلف أشكاله ومظاهره. وعندما أصدرت جماعة الإخوان المسلمين بياناً عنيفاً رد عليه المجلس القومى للمرأة ببيان أعنف، على النحو الذى أشرنا إليه، أمس، تبين أن الخطوة التى أقدم عليها الرئيس عكست، ليس فقط وجود انقسام حاد حول وضع المرأة داخل المؤسسات الرسمية للنظام، لكنها أكدت، فى الوقت نفسه، أن الرئيس حريص على إظهار انحيازه الأيديولوجى والسياسى لجماعة الإخوان المسلمين أكثر من حرصه على التمتع بالحس السياسى لرجل الدولة الذى يمثل كل المصريين.
فى ظاهره بدا بيان جماعة الإخوان المسلمين كأنه مدفوع بالحرص على الدفاع عن قيم وأخلاق الإسلام، لكنه شكل فى جوهره هجوماً غير مبرر على الأمم المتحدة التى اتهمها بالترويج لأفكار معادية للإسلام، وانطوى على انتقاد ضمنى لوفد مصر الرسمى فى المؤتمر، بمحاولة إظهاره كأنه إما متواطئ مع الأمم المتحدة فى الترويج لمثل هذه الأفكار، أو على الأقل متهاون فى التصدى لها. وهذا أمر لا يليق أن يصدر عن جماعة توجه الحزب الذى يدعى أنه يمثل الأغلبية والرجل الذى يجلس فى مقعد رئاسة الدولة المصرية.
لقد شاهد الشعب المصرى، فى الآونة الأخيرة، كما شاهد العالم كله عبر الفضائيات، فتيات تسحل من جانب أجهزة يفترض أن تكون مسؤولة عن حماية أمن المواطنين، كما شاهد فتيات تضرب وتركل من جانب أفراد ينتمون للحزب الحاكم فى مصر الآن. وفى سياق كهذا من الطبيعى أن يدرك العالم كله أن وضع المرأة المصرية ليس فقط على ما يرام، بل ومعرض للتدهور أكثر على أيدى حكام مصر الجدد. لذا عكس البيان، الذى أصدرته جماعة الإخوان المسلمين، والذى حاول تصوير وثيقة الأمم المتحدة كأنها وثيقة تعبر فقط عن قيم التحلل والشذوذ والحريات الجنسية السائدة فى الحضارة الغربية والمعادية للإسلام، نظرة محدودة الأفق جدا وغير مدركة لا لما يجرى فى العالم، ولا للكيفية التى يعمل بها النظام الدولى، أو للطريق الذى يتعين بها على مؤسسات الدولة الرسمية والشعبية أن تتفاعل معه. وتلك كارثة حقيقية.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"