حسن نافعة
الثورة التى بدأت فى مصر يوم ٢٥ يناير الماضى هى ثورة أطلقها الشباب وتجاوب معها الشعب بكل عناصره وفئاته، وانخرطت فيها كل القوى المطالبة بالتغيير وعملت بتفان وإخلاص على مدى السنوات الخمس الماضية بأشكال وطرق وأساليب مختلفة، لذا أعتقد أنها تملك كل العناصر التى تجعلها قابلة للاستمرار وقادرة عليه إلى أن تتحقق مطالبها الأساسية فى التغيير.
ولأن الشعب يدرك بحسه الواعى، وبنضج عبّر عنه سلوكه الفعلى فى الشارع، مَنْ هى العناصر التى عملت ولاتزال بإخلاص وجدية من أجل إحداث التغيير، ومن هى العناصر التى تتربص به وتحاول إجهاض التغيير أو ركوب موجته، فعليه أن يكون شديد اليقظة فى المرحلة القادمة، وأن يكون قادرا على مواصلة الثورة وحمايتها إلى أن تتحقق مطالبه فى التغيير كاملة.
لذا أتمنى من الشباب والرجال والنساء الذين نزلوا إلى الشارع ليعبروا عن رغبتهم العارمة فى التغيير أن يركزوا جهدهم فى هذه المرحلة على كل ما من شأنه أن يوحد من صفوفهم. وقد تداول بعض وسائل الإعلام بالأمس خبرا يشير إلى أن الدكتور البرادعى قرر التعجيل بالعودة إلى مصر، وأنه ربما يكون قد وصل إليها بالفعل، وقد لفت نظرى أن البعض وجه انتقادات للدكتور البرادعى ورأى فى قراره نوعا من الانتهازية السياسية ورغبة فى ركوب موجة ثورة لم يشارك فى صنعها، بل تخلى عنها فى أكثر لحظاتها احتياجاً لجهد الجميع.
أدرك حجم المرارة المتراكمة فى حلوق البعض، بسبب طريقة تعامل البرادعى مع «حالة التغيير» التى كانت سائدة فى مصر قبل أن يقرر هو الانخراط فيها. فلا جدال فى أن غيابه المتكرر والطويل خارج البلاد، وتفضيله جدول أعماله الشخصى على جدول أعمال الوطن فى لحظة فارقة فى تاريخ مصر أصاب كثيرين، ومنهم كاتب هذه السطور، بخيبة أمل كبيرة. غير أن اعتبارات الإنصاف تفرض على الجميع أن يقدروا للرجل، مهما كانت تحفظاتهم على قدراته القيادية، موقفه الشجاع فى مواجهة النظام الحاكم فى مصر واستمرار تبنيه خطاباً قوياً معارضاً لهذا النظام.
لذا أرجو أن يتنبه الجميع إلى أن الوقت ليس ملائما لتصفية أى حسابات، مهما كانت دوافعها نبيلة، أو لتوجيه اللوم لأى طرف، مهما كانت مبرراته قوية. وبدلا من أن نوجه اللوم فى هذه اللحظة إلى البرادعى، أو إلى أى شخص أيد قضية التغيير، مهما كانت مساهمته ضئيلة، علينا أن نبحث عن أنسب الوسائل التى من شأنها حشد كل المطالبين بالتغيير وأن نخلق منهم كتلة واحدة متراصة.
علينا جميعا أن نرحب بالدكتور البرادعى، إذا كان قراره بالتعجيل بالعودة إلى مصر فى هذه اللحظة مدفوعا بالرغبة فى المساهمة فى دعم ثورة التغيير، لا فى ركوب موجتها، وإذا كان قد تخلى عن حذره وتردده، وأصبح جاهزا للنزول إلى الشارع لشد أزر المحتشدين والعمل على توحيد صفوفهم. ولأن الانتفاضة المصرية المشتعلة حاليا هى فى حاجة ماسة لدعم كل من يستطيع تقديم الدعم، تفرض اللحظة الراهنة على النخبة المثقفة بكل طوائفها أن تحدد موقفها منها بطريقة لا تحتمل أى لبس.
لذا أعتقد أن الوقت قد حان لينخرط فيها كبار المثقفين المصريين، من شعراء وكتاب ومفكرين وفنانين وأساتذة جامعات، وأيضا قادة النقابات المهنية والعمالية، وأن يقدموا لها كل ما يستطيعون من دعم، وإصدار بيانات تأييد واضحة وقاطعة لكل مطالبها، خاصة ما يتعلق منها بالشق السياسى. فهذه ثورة فجرها الشعب المصرى كله ولم يفجرها حزب أو حركة أو شخص بعينه، وبالتالى تقع مسؤولية حمايتها على عاتق الجميع.