حسن نافعة
3- تفاؤل مبرر
رغم خطورة ما قد تواجهه مصر من تحديات فى الانتخابات البرلمانية المقبلة، وما قد تواجهه المنطقة من تحديات أكثر خطورة، بسبب تطورات قد تطرأ على ملفى الأزمة السورية وبرنامج إيران النووى خلال عام 2013، فإن هناك من الأسباب ما يدعو للتفاؤل. فعلى الصعيد المحلى، ليس من المستبعد أن تأتى نتائج الانتخابات البرلمانية المقبلة لغير صالح الفصائل التى تنتمى إلى تيارات الإسلام السياسى، وهو ما من شأنه أن يفتح باب الأمل من جديد لإنجاح عملية التحول الديمقراطى فى مصر. وعلى الصعيد الإقليمى ليس من المستبعد أن تؤدى تفاعلات الأزمة السورية نحو تسوية إلى وضع نهاية لحكم بشار الأسد مع المحافظة فى الوقت نفسه على وحدة الأراضى السورية وقيام نظام وطنى ديمقراطى فيها، أو أن تؤدى تفاعلات الأزمة الإيرانية إلى تسوية تحول دون اندلاع حرب جديدة فى المنطقة وتهيئة ظروف مواتية لتسوية نهائية للصراع العربى ـ الإسرائيلى، تحافظ على الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية. ولضيق المساحة فسوف نقصر حديثنا هنا على الأسباب التى تدعونا للتفاؤل بالنسبة للتطورات المحتملة للأوضاع فى مصر.
فقد أثبتت تفاعلات الأحداث السياسية التى جرت فى مصر على مدى العامين الماضيين عدداً من الحقائق، أهمها: 1- إن الشعب المصرى مازال مصمماً وقادراً على استكمال ثورته إلى أن تتمكن من تأسيس نظام ديمقراطى مؤهل لتحقيق قدر معقول من العدالة الاجتماعية. 2- إن جماعة الإخوان المسلمين ليست قادرة على حكم مصر، سواء منفردة أو بالتحالف مع فصائل تيار الإسلام السياسى وحده، كما أنها ليست مؤهلة لذلك. 3- إن ما يقال عن القدرات التنظيمية لهذه الجماعة وعن تأثيرها على الجماهير يبدو مبالغا فيه إلى حد كبير، وهو ما أثبتته الانتخابات الرئاسية، من ناحية، والأحداث التى وقعت أمام قصر الاتحادية بعد وصول مرشحها إلى السلطة، من ناحية أخرى. 4- إن جماعة الإخوان المسلمين لا تسعى لإحداث تغيير جوهرى فى بنية النظام السياسى القديم بقدر ما تسعى لوراثة دور الحزب الوطنى فى نظام لا تختلف بنيته كثيرا عن بنية النظام الذى ثار الشعب ضده. 5- إن الفصائل التى تنتمى إلى تيار الإسلام السياسى تتعامل مع الفقراء والمهمشين فى مصر باعتبارهم «مساكين» يستحقون العطف والإحسان، ومن ثم نصيباً من «الزكاة»، وليس باعتبارهم مواطنين لهم حقوق متساوية مع الآخرين يتعين على الدولة أن تكفلها للجميع، ولا تملك من ثم إدراكاً واعياً لمفهوم ومقومات العدالة الاجتماعية فى الدول الحديثة. 5- إن الفجوة بين ما يوحى به الخطاب السياسى من سلوك، حتى ولو كان هذا الخطاب «إسلاميا» فى شكله الخارجى، وبين ما تؤكده الممارسة الفعلية، يمكن أن تكون كبيرة لدرجة يصعب تصورها، وهو ما اكتشفه المواطن العادى بنفسه حين سقطت الأقنعة عن نواب «إسلاميين»، من أمثال «البلكيمى» و«على ونيس» وغيرهما، كان قد منحهم ثقته وانتخبهم لينوبوا عنه فى ممارسة سلطة التشريع.
فكيف ستنعكس هذه التطورات على الانتخابات البرلمانية؟
إذا احتكمنا للمنطق، فمن الطبيعى أن نستخلص أنه سيستحيل على الفصائل المنتمية لتيار الإسلام السياسى أن تحصل فى مثل هذه الظروف على أغلبية مماثلة لتلك التى حصلت عليها فى الانتخابات البرلمانية السابقة. لكن هل يعنى هذا أن القوى السياسية الأخرى تستطيع مجتمعة أن تحصل على أكثر من نصف عدد المقاعد؟ أعتقد أن هذا الاحتمال لم يعد مستبعدا، خصوصا إذا استطاعت أن تحافظ على تماسكها وتمكنت من خوض الانتخابات البرلمانية بقائمة موحدة. ولأنه يكفيها فى هذه الحالة الحصول على أكثر قليلاً من ثلث المقاعد لتجبر الفصائل التى كان قد أصابها غرور كبير على التعامل معها باحترام، فمن المتوقع أن تؤدى هذه التطورات المحتملة إلى تغيير مفردات المعادلة الراهنة فى مصر. فسواء حصلت القوى المؤمنة بالديمقراطية على أغلبية المقاعد أو على الثلث المعطل للقوى الطامحة للهيمنة المنفردة على مفاتيح النظام السياسى، فسوف يفتح ذلك فى جميع الأحوال طريقاً جديداً للأمل قد يخرج شعب مصر من حالة الإحباط التى يعيشها هذه الأيام ويفرض على جميع القوى أن تبحث عن صيغة جديدة للعيش المشترك والعمل على تأسيس نظام يتسع لمشاركة الجميع.
فهل هذا النوع من التفكير مغرق فى رومانسيته؟ أرجو ألا يكون الأمر كذلك.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"