حسن نافعة
ينظر البعض إلى ما يجرى فى سوريا باعتباره صراعا بين نظام حكم فاسد مستبد، من ناحية، وشعب يتوق للحرية من ناحية أخرى. غير أن هذه النظرة لم تعكس الصورة الكاملة لحقيقة ما يجرى فى سوريا، باستثناء الأشهر الأولى بعد اندلاع ثورة شعبها فى مارس 2011. إذ سرعان ما بدأت الأمور فى سوريا تأخذ منحى آخر، بسبب عناد النظام السورى ورفضه إجراء الإصلاحات السياسية الضرورية، من ناحية، وتعجل قوى إقليمية ودولية فى الدخول على خط الصراع لأسباب ودوافع عديدة لم يكن من بينها بالضرورة حرص هذه القوى على مساعدة الشعب السورى فى بناء نظام ديمقراطى أو فى تحقيق أحلامه فى الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية من ناحية أخرى.
ولأن أعداء النظام السورى والراغبين فى تصفية حسابهم معه كثيرون، إما بسبب اتهامه بالتورط فى اغتيال رئيس الوزراء اللبنانى الأسبق، رفيق الحريرى، أو بسبب الدعم السياسى والعسكرى الذى قدمه فى السابق لحزب الله اللبنانى ولحركتى حماس والجهاد الفلسطينيتين، أو بسبب تحالفه الاستراتيجى مع النظام الإيرانى، فقد كان من الطبيعى أن تصبح الأرضية ممهدة لتدويل الصراع الدائر فى سوريا وتحويله من صراع يدور فيها بين قوى محلية تتصارع على السلطة، إلى صراع عليها تديره قوى إقليمية ودولية. وفى السياق راحت أعداد متزايدة من المتطوعين الأجانب تتدفق على سوريا للمشاركة فى القتال.
ليس من المستبعد إطلاقا أن يكون النظام السورى نفسه، شأنه فى ذلك شأن أطراف إقليمية ودولية عديدة، قد ساهم بدوره فى تدويل الصراع كى يبدو للعالم كأنه صراع دولة ذات سيادة مع جماعات إرهابية، وليس صراع شعب مع نظامه الحاكم المستبد، لكن الشىء المؤكد أن الدفع المتزايد فى اتجاه تدويل الصراع ساهم فى إطالة أمده، بدلا من حسمه، وفى زيادة كلفته المادية والبشرية التى تحملها الشعب السورى وحده، لكن الأهم أنه أضعف من قدرة الأطراف المحلية على تحيد مساره، وزاد من قدرة الأطراف الخارجية على التحكم فى إدارته
وفى هذا السياق وحده يتعين فهم دلالة المبادرة التى أطلقتها روسيا الاتحادية لوضع مخزون السلاح الكيماوى السورى تحت الرقابة الدولية. فالنتيجة العملية الوحيدة التى أدت إليها هذه المبادرة، حتى الآن، هى إحكام ربط مصير الأزمة بحالة العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا الاتحادية، التى بدأت تستعيد بعضا من ألق الاتحاد السوفيتى القديم. إذ يلاحظ أنه لم تكد تمض ساعات قليلة على إطلاق هذه المبادرة حتى سارعت مختلف الأطراف المعنية بقبولها، وبدأ الكل يدرك أن الصراع الدائر فى سوريا فى طريقه للسقوط كثمرة ناضجة فى حجر الولايات المتحدة وروسيا.
ربما يكون من السابق لأوانه التكهن بما سيؤول إليه الصراع الدائر فى سوريا، فى ظل المبادرة الروسية. غير أنه بات فى حكم المؤكد تراجع التهديد بتوجيه ضربة عسكرية فى الوقت الراهن وتقدم فرص البحث عن تسوية شاملة للأزمة. ولأنه يصعب تصور إمكانية التوصل إلى تسوية منفصلة لملف الأسلحة الكيماوية فى سوريا بمعزل عن ملف التسوية الشاملة للأزمة السورية ككل، فليس من المستبعد إطلاقا أن تتطرق المفاوضات الثنائية بين الولايات المتحدة وروسيا حول كيفية تفعيل المبادرة الروسية إلى ملفات إقليمية أخرى مثل ملف إيران النووى وملف الصراع العربى- الإسرائيلى.
ولأن هذه المفاوضات تجرى فى ظل نظام دولى يتسم بتراجع النفوذ الأمريكى على وجه الخصوص، والغربى على وجه العموم، وتصاعد النفوذ الروسى على وجه الخصوص، والشرقى على وجه العموم، فمن المؤكد أنها ستكون مفاوضات طويلة وصعبة ومعقدة، لكنها قد تسهم فى وضع نهاية فعلية لنظام دولى مازال أحادى القطبية وفى فتح آفاق جديدة نحو إرساء قواعد جديدة لنظام دولى يبدو واضحا الآن أنه يتجه بثبات نحو التعددية القطبية. ورغم ما قد ينطوى عليه هذا التحول من عناصر إيجابية، إلا أنها للأسف لن تفيد العالم العربى فى شىء، بل وقد تكون على حسابه وبالخصم من رصيده، اللهم إلا إذا استطاعت مصر أن تنهض سريعا من كبوتها.
فقد أصبح منتهى أمل الشعوب العربية الآن أن تحافظ سوريا على بقائها كدولة، سواء رحل نظام الأسد أم لم يرحل!
نقلا عن جريدة الايام