حسن نافعة
لن تحتمل مصر فشلاً جديداً فى إدارة المرحلة الانتقالية الراهنة، وهى الثالثة فى أقل من ثلاثة أعوام، ولم يعد أمامها من خيار آخر سوى النجاح هذه المرة فى تأسيس نظام ديمقراطى يتسع للجميع وقابل للدوام والاستقرار. ولكى تنجح مصر فى إدارة المرحلة الانتقالية الراهنة، وهى الأكثر تعقيداً إذا ما قورنت بالمرحلتين السابقتين، على النخبة المسؤولة عن إدارتها أن تستخلص الدروس المستفادة من الأخطاء السابقة.
كانت مسؤولية إدارة المرحلة الانتقالية الأولى قد آلت إلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وفى ظل ترحيب شعبى واضح، بسبب الدور الذى لعبته المؤسسة العسكرية المصرية فى تأمين ثورة يناير وإجبار الرئيس الأسبق أو إقناعه بالتخلى عن السلطة، غير أن رفض المشير طنطاوى تبنى اقتراح بتشكيل مجلس رئاسى مدنى برئاسته للمعاونة فى إدارة المرحلة الانتقالية، وقبوله تشكيل لجنة يسيطر عليها تيار الإسلام السياسى لتعديل الدستور وليس لصياغة دستور جديد، كانا من بين عوامل أخرى كثيرة تسببت فى إدخال البلاد فى متاهة، انتهت بتسليم مقاليد السلطة إلى جماعة الإخوان.
وعندما آلت مسؤولية إدارة المرحلة الانتقالية الثانية إلى الدكتور مرسى، عقب فوزه فى الانتخابات الرئاسية، كانت البلاد وقتها على وشك الدخول فى حالة استقطاب خطر، تَعيّن العمل على تدارك شروره. وبدلاً من السعى لتخفيف حدة الاحتقان الحادث فى الحياة السياسية، بالانفتاح على القوى التى شاركت فى الثورة لضمان إدارة أكثر رشداً لمرحلة انتقالية ثانية تعين خلالها استكمال ما تبقى من مؤسسات النظام الجديد، إذا بالرئيس المنتخب يقدم على اتخاذ سلسلة من الإجراءات توسع الهوة وتزيد من حدة الاستقطاب، لينتهى الأمر بثورة شعبية تتمكن من الإطاحة به، بعد أن انحاز إليها الجيش، لكنها عادت بنا إلى نقطة الصفر من جديد، ودفعت بمصر نحو مرحلة انتقالية ثالثة لا يعلم إلا الله وحده كيف ومتى ستنتهى.
تختلف المرحلة الانتقالية الراهنة عن المرحلة الانتقالية الأولى، والتى أدارها الجيش منفردا، كما تختلف عن المرحلة الانتقالية الثانية، التى أدارتها جماعة الإخوان منفردة. ويلاحظ على المرحلة الانتقالية الراهنة، التى بدأت بتنحية الدكتور مرسى يوم 3 يوليو الماضى أن غموضاً كثيفاً يكتنف الجهة المسؤولة عن إدارتها.
فبعد أيام، أصدر رئيس الجمهورية المؤقت إعلانا دستوريا، ليس من المعروف بالضبط مع من تشاور قبل إصداره، بدا مليئاً بالثغرات وبأوجه عوار كثيرة.
وحين جاء الدور لاختيار شخصية تكلف بتشكيل حكومة جديدة، ظهر الارتباك من جديد، وغابت المعايير الموضوعية عند الاختيار.
أخشى أن يفضى هذا التخبط إلى فشل إدارة المرحلة الانتقالية الحالية، وأن تنتهى بنا إلى خيارات، يبدو أحلاها مراً، منها: 1- عودة النظام القديم، ولكن فى ثوب جديد هذه المرة، 2- عودة جماعة الإخوان، ولكن بأجندة «إسلامية» خالصة هذه المرة، 3- عودة الحكم العسكرى، ولكن وفق صيغة أقرب ما تكون إلى «حركة الضباط الأحرار» التى فجرت وقادت مراحل ثورة يوليو 1952.
لكى لا تفشل مصر ويذهب ريحها، وحتى لا نعود إلى نقطة الصفر من جديد، علينا أولا أن ندرك وجود فروق جوهرية بين طبيعة المرحلة الانتقالية الراهنة والمرحلتين السابقتين. ويتطلب الوعى بتلك الفروق ضرورة أن نضع لإدارة المرحلة الراهنة ما يناسبها من أطر مؤسسية، فقد شهدت المرحلتان الانتقاليتان السابقتان وجود عنوان واضح ومحدد للجهة المسؤولة عن الإدارة: ممثلاً فى مجلس أعلى للقوات المسلحة فى المرحلة الأولى، وفى رئيس منتخب فى المرحلة الثانية. ورغم شكوك عديدة انتابت هذا الطرف أو ذاك فى نوايا الجهة المسؤولة عن الإدارة فى الحالتين، فإن أحدا لم يجرؤ على التشكيك فى شرعية أى منها أو يطرح نفسه كبديل محتمل لها. أما المرحلة الانتقالية الراهنة فتديرها سلطة ليس لها عنوان محدد، ويشكك طرف سياسى بعينه فى شرعيتها، ويبدو جاهزاً ومستعداً لتحديها ومقاومتها بكل الطرق الممكنة، بما فى ذلك الضغط من خلال الشارع أو حتى من خلال اللجوء إلى وسائل عنيفة.
فى سياق ما تقدم يبدو لى أنه قد يكون من الضرورى أو من المفيد:
1- تحديد الجهة التى يتعين عليها، أو يحق لها، تولى مسؤولية إدارة المرحلة الانتقالية الراهنة.. لذا أظن أنه سوف يكون من المفيد تشكيل مجلس أعلى لإدارة هذه المرحلة يترأسه رئيس الدولة، وينوب عنه الفريق السيسى، ويشارك فى عضويته جميع الشخصيات الدينية والسياسية التى حضرت مشهد إطلاق خارطة الطريق لهذه المرحلة. على أن يتولى هذا المجلس وضع الاستراتيجيات العامة لإدارة هذه المرحلة
2- الفصل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. فالسلطة التنفيذية فى هذه المرحلة يتعين أن يقودها رئيس جمهورية محدود الصلاحيات، وحكومة لها صلاحيات واسعة فى إدارة الشأن اليومى. أما السلطة التشريعية فيمكن أن تقوم بها «لجنة الخمسين» المنصوص عليها فى المادة 29 من الإعلان الدستورى الحالى، والتى عهد إليها بمناقشة وإقرار مشروع الدستور الجديد (أو التعديلات الدستورية) بعد أن تفرغ منه لجنة فنية ستشكل لهذا الغرض (لجنة الثمانية).
3- ترك المجال مفتوحا لتمكين كل من يرغب من القوى السياسية فى الانخراط فى إدارة المرحلة الانتقالية الراهنة، ضمانا لأوسع مشاركة سياسية ومجتمعية ممكنة.
لا أظن أننى أبالغ فى أن الفشل الذى منيت به إدارتا المرحلتين الانتقاليتين السابقتين يعود فى المقام الأول إلى عدم وجود نظام متكامل للإدارة، والاكتفاء بتركيز عملية صنع القرار فى يد شخص واحد أو مجموعة من الأشخاص «شلة». وأظن أنه آن الأوان كى نتلافى هذا العيب الخطير فى إدارة المرحلة الانتقالية الحالية حتى لا يصبح مصيرها كسابقتيها.
نقلاً عن "المصري اليوم"