حسن نافعة
ويح باستعداد مصر لاستخدام القوة العسكرية ضد إثيوبيا بسبب قرارها المفاجئ بالبدء فى بناء سد الألفية قبل اتخاذ الإجراءات اللازمة لطمأنة مصر بأن هذه الخطة لن تضر بمصالح مصر أو بحقوقها فى مياه نهر النيل. غير أنه يتعين على الحكومة المصرية أن تؤكد للحكومة الإثيوبية فى الوقت نفسه أن تتعامل مع هذا الموضوع بأقصى قدر من الجدية والمسؤولية، وأنها لن تفرط أو تتهاون فى أى حق من حقوقها المشروعة، ولن تتردد فى تأمينها والدفاع عنها بكل الوسائل الممكنة، بما فى ذلك استخدام القوة، كملاذ أخير، إن تطلب الأمر ذلك.
تقضى الإدارة الرشيدة لأزمة السد الإثيوبى، من منظور المصالح المصرية، البدء باتخاذ أو استكمال الخطوات التالية:
1- أن تتقدم الحكومة المصرية بطلب رسمى إلى الحكومة الإثيوبية لموافاتها بجميع المعلومات المتعلقة بمشروع سد الألفية، أو أى مشروعات أخرى مشابهة قيد الدراسة، وذلك من جميع النواحى الهندسية والبيئية والاقتصادية، مرفقاً به مذكرة توضيحية تبين حقوق مصر المائية بموجب المعاهدات الدولية المبرمة فى هذا الشأن وما تفرضه من التزامات على دول المنبع، ومنها إثيوبيا. وأقترح أن تقوم بصياغة الطلب والمذكرة لجنة مشكلة من أفضل الخبرات الدبلوماسية والقانونية، تجنباً لإثارة أى نوع من الحساسية أو الاستفزاز، ولسد أى ثغرات أو ذرائع يمكن للجانب الإثيوبى أن ينفذ منها أو يستخدمها للمماطلة أو عدم الرد.
2- تقوم مصر بتشكيل لجنة فنية تضم ممثلين عن كل المؤسسات المعنية لفحص الرد الإثيوبى على هذا الطلب والتأكد من صحة ودقة ما ورد به من معلومات، بمضاهاتها بالمعلومات المتوافرة لديها أو التى يمكنها الحصول عليها من مصادر أخرى، كأجهزة المخابرات والشركات القائمة على تنفيذ المشروع والدول المشاركة فى التمويل... إلخ، واقتراح الخطوات التالية.
3- تقوم مصر بإجراء تقييمها الخاص لحجم ونوعية الأضرار التى قد تلحق بمصالحها وحقوقها فى مختلف مراحل عملية بناء السد، معتمدة فى ذلك على جميع الخبرات المحلية أو تلك التى يمكن الاستعانة بها من الخارج، ضماناً لدقة وحيادية هذا التقييم.
4- تتقدم مصر بدعوة رسمية إلى الحكومة الإثيوبية للدخول معها فى مفاوضات ثنائية فى البداية ثم فى مفاوضات جماعية مع دول المصب، تستهدف: أ- تحديد مشترك لحجم الأضرار المحتملة ودراسة السبل الفنية لتلافيها والاتفاق على التصميم الهندسى للمشروع فى شكله النهائى بما يحقق المصالح المشتركة لجميع الأطراف. ب- الاتفاق على آلية تمكن مصر ودول المصب من المتابعة الفنية الدقيقة لما يجرى على الموقع ولحل ما قد يثور من مشكلات. ج- دراسة إمكانية دخول مصر، وربما دول المصب الأخرى، كشريك أو كمستثمر فى بعض الشركات التى ستتولى توزيع وتسويق الطاقة الكهربائية المتولدة عن السد.
يدرك الجميع أن الصراع على موارد المياه، خاصة فى إفريقيا، بدأ يزداد حدة فى السنوات الأخيرة، ومرشح للتصاعد خلال السنوات المقبلة. غير أن هناك حقيقة أساسية يتعين على صناع القرار فى دول حوض نهر النيل عدم إغفالها فى الوقت نفسه، ألا وهى ضآلة نسبة المستخدم من هذه الموارد بالقياس إلى حجم المتاح منها. ومعنى ذلك أن نسبة الفاقد من الأمطار التى تسقط على الهضبات التى تغذى روافد نهر النيل من المنبع أكبر بما لا يقاس من نسبة المستخدم منها. فإذا أمكن إيجاد آلية فعالة لتحقيق التعاون بين دول المنبع ودول المصب من أجل تقليل نسبة الفاقد من المياه المتساقطة من الأمطار، بدلاً من الصراع على ما هو متاح منها داخل مجرى النهر، لاستفاد الجميع ولأمكن تحويل بيئة التفاعلات بين دول حوض نهر النيل من بيئة صراعية إلى بيئة تعاونية، ومن مباراة صفرية بين غالب ومغلوب إلى مباراة يخرج منها الجميع فائزين، وإن بدرجات مختلفة أو متباينة.
الصدام المتوقع بين مصر وإثيوبيا بسبب سد النهضة ليس قدراً محتوماً، ويمكن ليس فقط تجنبه، وإنما استخدامه وسيلة لإعادة صياغة العلاقات بين البلدين على أسس تعاونية جديدة. المشكلة الرئيسية هنا أن النظام الذى يحكم مصر الآن يفتقد إلى الرؤية وإلى الكفاءة اللازمين لإدارة الأزمات، ومواجهة تحديات الداخل والخارج على السواء. فهل من حل لتلك المشكلة العويصة؟
نقلا عن جريدة المصري اليوم