حسن نافعة
يتعين على أطراف العملية السياسية، إن كانت ترغب حقاً فى العثور على مَخْرَج مما نحن فيه، أن تدرك أن الأزمة الراهنة وصلت إلى درجة شديدة الخطورة، باتت تهدد بانهيار الدولة نفسها، وأن تجاوزها يتطلب تفكيراً غير نمطى وقرارات شجاعة. وفى تقديرى أن العثور على مَخْرَج فى ظل الأوضاع الراهنة سيظل مستحيلاً ما لم يقتنع الجميع بضرورة اتخاذ إجراءين أساسيين، الأول: تأجيل انتخابات مجلس النواب إلى أجل غير مسمى، والثانى: تشكيل حكومة جديدة تتمتع بدرجة عالية من الكفاءة المهنية وتحظى بتأييد القوى السياسية الرئيسية. ولأن جوهر الأزمة الراهنة يعود أساساً إلى فقدان الثقة، يصعب تصور إمكانية العثور على مَخْرَج دون إجراءات فعّالة لبناء الثقة، تتطلب بدورها ضرورة توافر حُسن النية والإخلاص المتجرد.
لاستعادة الثقة المفقودة يتعين أن تصبح الأطراف المعنية على استعداد لتقديم تنازلات متبادلة ومتكافئة، وإذا كان يحق للحزب الحاكم أن يطالب قوى المعارضة بالتهدئة ونبذ العنف واعتماد الوسائل السلمية للتعبير عن مطالبها المشروعة والاعتراف بشرعية الرئيس المنتخب والتعامل معه بالاحترام الواجب، فمن حق قوى المعارضة أن تطالب رئيس الدولة بأن يصبح رئيساً لكل المصريين وأن يعتمد الحوار والتوافق الوطنى وسيلة لاتخاذ القرارات، كما أن من حقها أيضاً مطالبة حزب الرئيس بالتخلى عن طموحات الهيمنة المنفردة فى مرحلة حساسة من مراحل التحول الديمقراطى.
فإذا تمت الاستجابة لهذه المطالب المتبادلة، يصبح من السهل التوصل إلى معادلة سياسية جديدة تقوم على توازن بين «الشرعية والشراكة»، أى تكفل حق الرئيس المنتخب فى إكمال فترة ولايته الأولى فى هدوء، مقابل ضمان حق المعارضة فى أن تكون شريكاً أساسياً فى إدارة شؤون الدولة والحكم خلال الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية.
يصعب علىَّ أن أصدق أن دولة بحجم مصر تعجز عن العثور على شخصية سياسية تصلح لقيادة حكومة قادرة على تجاوز الأزمة الراهنة. ولكى تتمكن الحكومة الجديدة من تجاوز هذه الأزمة يتعيّن عليها أن تتمكن من إنجاز ثلاث مهام، هى: 1- تعويم الاقتصاد المصرى وإعادة عجلة النشاط الإنتاجى للدوران، وفق أسس تكفل حداً معقولاً من العدالة الاجتماعية. 2- بناء الأجهزة الأمنية وفق أسس تكفل احترام حقوق الإنسان وتحقق التوازن المطلوب بين أمن الوطن وأمن المواطن. 3- اتخاذ كل الإجراءات اللازمة لبناء دولة القانون والمواطنة.
لتمكين الحكومة الجديدة من إنجاز هذه المهام الجسام، يتعيّن توفير ضمانتين أساسيتين، الأولى: تتعلق بضرورة حصولها على الوقت الكافى لإنجازها بالطريقة المناسبة، والثانية: تتعلق بضرورة تمتعها بما يكفى من التأييد السياسى لتمكينها من تمرير مشروعات القوانين اللازمة لاستكمال بناء مؤسسات الدولة.
وفيما يتعلق بالوقت المطلوب، أقترح منح الحكومة الجديدة ضمانات تمكِّنها من الاستمرار حتى نهاية فترة الولاية الرئاسية الأولى، أى حتى نهاية يونيو عام 2016.
أما فيما يتعلق بالدعم السياسى فيمكن ضمانه من خلال مجلس استشارى يشكله رئيس الدولة من رؤساء الأحزاب السياسية الرئيسية وبعض الشخصيات العامة (أقترح أن يتكون هذا المجلس من عشرين شخصية على الأكثر، تضم: رؤساء الأحزاب العشرة التى كانت قد حصلت على أعلى نسبة من المقاعد فى مجلس الشعب المنحل، وخمسة من رؤساء الأحزاب التى تشكلت بعد هذه الانتخابات، كأحزاب الدستور ومصر القوية والأمة وغيرها، وخمسة من الشخصيات العامة)، على أن يصبح هذا المجلس بمثابة إطار دائم للحوار الوطنى تعرض عليه مشروعات القوانين التى تريد الحكومة تمريرها، وذلك لإقرارها قبل العرض على مجلس الشورى، مع التزام القوى الممثلة فيه بإرسال مشروعات القوانين المتوافق عليها إلى مجلس الشورى، مصحوبة بتوجيهات لممثليها بالالتزام بما تم التوافق عليه.
إن التوافق على التعامل مع الفترة الزمنية المتبقية حتى نهاية الولاية الرئاسية الأولى، باعتبارها جزءاً مكملاً لمرحلة انتقالية يتعين أن تدار بالتوافق، يضمن لمصر فترة هدوء تسمح فى نهايتها بإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية وفق قواعد عامة محايدة، وهو شرط ضرورى لاستكمال عملية التحول الديمقراطى.
المشكلة ليست فى نقص الأفكار، ولكن فى غياب إرادة سياسية مخلصة، ومتجردة، قادرة على نقل الأفكار المختلفة إلى حيز التنفيذ.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"