حسن نافعة
كان «قانون الانتخابات» إحدى القضايا المهمة المدرجة على جدول أعمال «حوار وطنى» يرعاه الدكتور مرسى شخصياً ويقوده نائبه بنفسه. ورغم مقاطعة قوى وأحزاب سياسية رئيسية لهذا الحوار. وربما لهذا السبب، تمكنت القوى والأحزاب المشاركة فيه من التوصل إلى توافق حول مشروع قانون أحيل إلى مجلس الشورى لمناقشته وإقراره وفقاً لما تنص عليه الأحكام الانتقالية فى الدستور الجديد. ولأنها تشكل أغلبية عددية فى المجلس، فقد توقع الجميع إقرار مشروع القانون المقدم من لجنة الحوار كما هو دون تعديل، خاصة فى الأمور التى كانت محل خلاف فى وجهات النظر وحسمت من خلال النقاش، وعلى رأسها الأمور المتعلقة بتمثيل المرأة، وهو ما لم يحدث. لذا فقد انتهى الأمر إلى إقرار قانون يختلف فى بعض التفاصيل المهمة عن المشروع المقدم من «لجنة الحوار الوطنى»، ما أثار عاصفة من الانتقادات، ورأى فيه البعض دليلاً على عدم الجدية وإصرار جماعة الإخوان على الهيمنة المنفردة على مفاصل السلطة والدولة وتمرير كل ما من شأنه تحقيق مصالح الجماعة وحدها بصرف النظر عن المصلحة الوطنية.
يبدو أن موقف بعض القوى المشاركة فى الحوار كان حاداً إلى الدرجة التى دفعت بالدكتور ياسر على، المتحدث باسم رئاسة الجمهورية، إلى إصدار تصريحات يؤكد فيها «عدم مسؤولية الرئيس عن تغيير مجلس الشورى بعض نصوص مشروع قانون الانتخابات الذى تقدمت به لجنة الحوار الوطنى»، وانتفاء أى مصلحة له «فى دعم رأى محدد فيما يتعلق بهذا القانون أو ذاك»، مشددا على أن «الجهة الوحيدة المنوط بها إقرار القانون هى مجلس الشورى، صاحب السلطة التشريعية»، وأن الهدف من الحوار الوطنى هو «جمع القوى السياسية والاجتماعية المؤثرة فى مصر على مائدة واحدة وفتح جميع الملفات والنقاش حولها، وليس إملاء مواقف أو أشياء معينة على أى أحد».. وأن الرئاسة «تدعم آلية الحوار فى حد ذاتها كسبيل لحل المشاكل العالقة»...إلخ.
قد تكون هذه التصريحات مقبولة من حيث الشكل، لأن رئيس السلطة التنفيذية لا يملك، من الناحية القانونية، أن يتدخل فى شؤون السلطة التشريعية، ناهيك أن يملى عليها مواقف أو مقترحات بعينها. غير أن هذه التصريحات تعكس، من حيث المضمون، عمق أزمة الثقة القائمة بين رئاسة الدولة وأحزاب وقوى المعارضة. فعلى الرغم من أن أحداً لا يملك أن يطلب من رئيس الدولة أن يتدخل فى شؤون السلطة التشريعية، ناهيك أن يملى عليها شيئاً، فإن الكل يفترض التزام الحزب الذى ينتمى إليه رئيس الدولة، وكذلك الأحزاب والقوى السياسية المتحالفة معه، بما يتم التوافق عليه فى حوار يعقد تحت رعايته الشخصية. أما الإخلال بهذا الالتزام فلن يفسر فى هذه الحالة إلا بأحد أمرين، كلاهما يسىء للرئيس ويضعف موقفه سياسياً ومعنوياً:
الأمر الأول: أن يكون رئيس الدولة غير راغب بالفعل فى التدخل فى شؤون أى حزب، بما فى ذلك الحزب الذى ينتمى إليه، انطلاقاً من حرصه على أن يكون رئيساً لكل المصريين وأن يقف على مسافة واحدة من الجميع، وبالتالى لم يكن على علم مسبق بالموقف التصويتى لحزبه أو للأحزاب المتحالفة معه سياسيا، ولم ينسق معها حول هذا الموضوع. لكن إذا صح هذا الأمر فمعناه أن حزب الرئيس يسعى لإضعافه أو إفشاله من خلال عدم الالتزام بما تم الاتفاق عليه فى حوار يعقد تحت رعايته الشخصية، وهو أمر غير قابل للتصديق.
الأمر الثانى: أن ما جرى ليس سوى لعبة متفق عليها لتوزيع الأدوار واستخدام «الحوار الوطنى» كمظلة لتمرير مشروعهما الخاص لإحكام السيطرة على مقدرات البلاد، وهو الافتراض الأكثر قابلية للتصديق. وبصرف النظر عما إذا كان هذا الافتراض صحيحاً أم لا من الناحية الفعلية، إلا أنه يعكس حالة عدم الثقة العميقة القائمة حالياً بين الرئيس وأحزاب المعارضة.
وما لم يتمكن الرئيس من معالجة فجوة عدم الثقة هذه فلن تتمكن البلاد من تجاوز أزمتها الراهنة، أيا كانت نتيجة الانتخابات النيابية القادمة.
نقلاً عن جريدة "المصري اليوم"